رواية – تمزقها الآلام
الفصل الرابع
كانت مهجة في الخارج تريد أن تعرف ماذا تم ولكنها توارت لحين خروجهم ، لقد ذهب الحاج حسنى وابنه أحمد لتوصيلهم ، وبعد رجوعهما استقبلتهما مهجة على الباب قائلة لهما : ماذا حدث أريد أن اطمئن ، فقص لها أخوها أحمد ما تم في هذه الجلسة ، فأنشرح قلب مهجة لما توصلوا له من حل ، قامت مهجة بالاتصال بليلى لتخبرها بانفراج أزمة والدها ، فبدت علامات السعادة على ليلى ، محدثة نفسها بصوت الوجدان قائلة : كان هماً وأسدل الستار عنه ، ثم قامت بالمباركة لمهجة وما أن أنهت مهجة المحادثة مع ليلى حتى سمعت ليلى صوت والدها يناديها ، ليلى ، ليلى ، ذهبت ليلى إليه مسرعة قائلة : نعم يا أجمل أب في الوجود ، نظر إليها ثم أردف قائلاً : أريد أن أحادثكِ في أمر مهم ، قالت له وكلى آذان صاغية ، فقال : ما رأيكِ أن أشترى لأحلام حجرة النوم ، ثم استأنف حديثه قائلاً : أخي موظف ودخله محدود ، نظرت ليلى إليه قائلة : وهذا الأمر محتاج رأى طبعاً موافقة ، نظر الحاج حسن لليلى ثم هم قائماً وأشار إليها أن تخبر عمها بقدومهما الخميس المقبل ، قامت ليلى على فورها بالاتصال بأحلام وأبلغتها بقومها هي ووالدها الخميس القادم ، وما أن أنهت المحادثة حتى اتصلت بمهجة تخبرها إنها تريد أن تتحدث معها في أمر ، أرادت مهجة أن تعرف فكرة عامة عما تريد أن تتحدث عنه ، فقصت لها موضوع الخطاب ، وأخبرتها إنها سوف تأتى يوم الخميس القادم لزيارة أحلام وسوف تستغل وجودها عند أحلام والقيام بزيارتها ، وسوف تأخذ أحلام معها ، تبسمت مهجة قائلة : أخي أحمد سوف يأتي إلينا يوم الخميس القادم هو الأخر وهذا من حسن طالعكِ ، وسوف أمهد لهذا الأمر ، فرحت ليلى عندما علمت أن أحمد سيكون متواجد في هذا اليوم ، بذلك تستطيع أن تعرف حقيقة الخطاب الذي كان معه في نفس اليوم دون انتظار يوم أخر ، وأنهت ليلى المحادثة مع مهجة ، ثم اتجهت ناحية حجرتها ودخلتها واسترخت على الفراش محدقة في سقف الحجرة وفى ظل هذا الخضم من المعاناة النفسية التي تسيطر على ليلى تذكرت أمها ، لقد توفاها الله ولم تكن ليلى تجاوزت التاسعة من عمرها كانت صغيرة ولكنها كانت مدركة لكل الأحداث التي مرت في تلك الفترة ، لقد أخذها الحنين إلى أمها وامتلأت عينها بالعبرات وهى تتذكر يوم ذهابها هي وأمها لزيارة جدها هناك في البلد ، حيث كان مريضاً ومكثتا عشرة أيام هناك وكان ذلك في الشتاء ، ولذا كانت أمها مصممة على أن ترتدي ليلى ثيابها الثقيلة ، وكانت ليلى متأففة لذلك ، ولم يفارق ذاكرتها لحظة ما قبلها والدها قائلاً لها : سلمى لي على جدك ، هذا الموقف تتذكره جيداً كانت ليلى وأمها لازالتا أمام باب الشقة استعداداً للسفر ، إنها تتذكر أدق التفاصيل لحظة وصولها والسعادة التي حلت ببيت جدها لحظة وصولهم ، تذكرت نور بنت خالتها التي جاءت فور علمها بوصولها ، جو الريف يغشى ليلى وهى شاردة بتفكيرها إنه يسيطر على جميع خلجات نفسها ، تذكرت دار جدها وكيف كانت تلهو هي ونور في كل جوانبه ، كان له حديقة صغيرة وشجرة جميز ضخمة ، كانت لليلى ذكريات جميلة مع تلك الشجرة ، كانت ليلى تتوارى خلفها وتتركهم يبحثون عنها ، كان خالها صلاح في تلك الفترة لم يتزوج ولم ينتقل للإقامة بالقاهرة ، إنها تتذكر كيف كان يرفعها ليضعها على مرجيحة ، إنها عبارة عن حبل مربوط من الطرفين في فرع سميك لشجرة الجميز في وسطه وسادة صغيرة ، كانت هي ونور يتناوبون على هذه المرجيحة ، وعلى مقربة من نظرها ترى أمها جالسة مع جدها وخالتها يتحدثون ، الذكريات تدغدغ مشاعر ليلى وتصب في جوفها جرعات الحنين ، لقد تذكرت يوماً هذا اليوم حُفر في ذاكرتها لا تمحوه الأيام ولا السنين ، كلما أمطرت السماء تتذكره دائماً ، كان يوماً شديد البرودة ، ضرب السحاب الملبد بالغيوم عنان السماء وتعالت أصوات البرق ، كانت أمها تنادى عليها وتطلب منها عدم الخروج إلى حديقة المنزل حتى لا يصيبها البرق ، كانت نظرات الخوف بادية في عين أمها ، وهطلت الأمطار وكانت الأمطار شديدة ، كانت ليلى تنظر إلى الغيط المقابل لدار جدها ، كان المنظر رائعاً كانت فروع الأشجار تتمايل بقوة وكذلك المزروعات في الحقل ، شلالات من المياه تتساقط من السماء وصوت البرق بين الحين والأخر يصم الأذان ، كان منظر الأشجار والمزروعات وهى نظيفة ومبللة بالمياه رائعاً ، كانت نور تغنى وتشير إلى ليلى قائلة : يا مطر رخي على قرعة بنت أختي ، هذا الفعل من نور كان يصيب ليلى بالغضب ، كانت ليلى ترد عليها قائلة لها أنا لست بنت أختك ، فسمعتها خالتها فرددت ما كانت تقوله نور وتبسمت فضحكت أم ليلى ، مما دفع ليلى بالاندفاع نحو نور لتضربها ، وما أن رأت نور ليلى تتجه نحوها لتضربها خرجت إلى حديقة المنزل فتبعتها ليلي وانزلقت قدماها وسقطت في الوحل ، ذهبت إليها أمها مسرعة وحملتها إلى داخل الدار ، وأخذت أم ليلى في إعداد مياه دافئة من أجل أن تدخل ليلى الحمام لتذيل ما علق بجسدها من وحل لقد علق الوحل على ثيابها وزراعيها ووجهها وقدميها ، لقد أدخلتها أمها الحمام وهي تؤنبها ، هذا الموقف لم تنساه ليلى طيلة حياتها ، وتذكرت ليلى بعد خروجها من الحمام وكيف طلبت منها أمها آلا تخرج وتمكث في الحجرة ولكنها غافلت أمها وخرجت ، فوجدت السماء قد أقلع غيثها وبدأت نسمات رائحة الأرض بعد نزول الغيث تملأ أنفها تلك الرائحة تتشوق إليها ليلى دائماً ولازلت الذكريات تتوالى وليلى مسترخية وشريط الذكريات يمر بخاطرها ، تذكرت يوما ذهبت فيه مع أمها لزيارة بعض الجيران من أصدقاء أمها ، وفى الطريق مرواً على دوار العمدة فوجدته ليلى كبير جداً أكبر بكثير من دار جدها ، فحزنت لذلك واستفسرت من أمها لماذا دوار العمدة كبير ودار جدي صغير ، كانت ليلى تريد أن يكون لجدها دوار مثله ، كانت أمها تسمع لها وتضحك ، أفاقت ليلى لنفسها وهى تتذكر ضحكات أمها ، وعاودت بتفكيرها في يوم الخميس وماذا سيتم في المقابلة مع أحمد أخو مهجة ؟ وهل سينحل لغز الخطاب ؟ ومرت الأيام ولكن كان مرورها بطيئاً بالنسبة لليلى ، وجاء اليوم الذي كانت ليلى تنتظر قدومه ، وذهبت ليلى ووالدها إلى منزل عمها ، وبعد جلوسها أشارت إلى أحلام بالرغبة بالذهاب إلى مهجة ، كانت أحلام تعرف السبب من ليلى ، وما أن أنهى الحاج حسن موضوع حجرة النوم الذي يريد شرائها لأحلام مع أخيه ، استأذنت ليلى وأحلام بالذهاب لصديقتهما مهجة ، فوافق والد ليلى ، فقامت ليلى بالاتصال بمهجة تخبرها بقدومها هي وأحلام ، فرحبت مهجة بقدومهما قائلة لليلى : أنا أعطيت أخي فكرة عما تريدي الاستفسار عنه ، نزلت مهجة لتقابل ليلى وأحلام عند محل العطارة حتى تأخذهما إلى منزلها ، وما أن عثرت عليهما حتى أخذتهما إلى منزلها وجلسن يتحدثن ، وبعد برهة من الوقت أدخلت مهجة أخوها أحمد وقدمته لليلى وأحلام ، تقدم أحمد وألقى السلام ، وأبدى استعداده بأن يخبر ليلى بكل ما تريد أن تعرفه منه ، سلمت ليلى على أحمد وشكرته ثم أردفت قائلة : لقد سافر خطيبي جلال إلى العراق قبل قيام الحرب بستة أشهر وكان يراسلني في تلك الفترة ، وبعد قيام الحرب انقطعت أخباره إلى الآن ، ومن فترة صغيرة أتى لي خطاب منه ولكنه بتاريخ قديم كان تاريخه بعد قيام الحرب بشهر تقريباً ، وأتى شخص وسلمه للبواب وطلب منه أن يسلم الخطاب لي باليد دون غيري وانصرف ، وعندما ذكرت لي مهجة أنك لم تذهب عندهم لانشغالك بتسليم خطاب ، لقد صادف اليوم الذي ذهبت لتسليم الخطاب فيه ، اليوم الذي أتى لي الخطاب فيه فاستقر في روعي أن تكون أنت الذي تركت لي الخطاب ، وأتيت اليوم كي أعرف حقيقة الأمر ، نظر أحمد إلى ليلى مبتسماً ثم أردف قائلاً : أنت قلتي أن أسم خطيبك جلال ، قالت ليلى : نعم فضحك ثم قال : والخطاب الذي كان معي أعطاني إياه واحد اسمه جلال ، قامت ليلى على فورها واقفة ، نظرت إليها مهجة قائلة لها : اجلسي يا ليلى ، فجلست ليلى مرة أخرى ، ثم استأنف أحمد حديثه قائلاً : ولكن جلال أعطاني الخطاب قبل نزولي بأيام وكان فيه بعض الأوراق الهامة التي تخص أخوه ربما عقد عمل وأوراق من هذا القبيل وذهبت إلى أخيه وسلمته الخطاب ، كانت ليلى تحتفظ بصورة خطيبها جلال فأخرجتها وناولتها إلى أحمد ، فأخذها ونظر إليها ثم أردف قائلاً : من هذا ؟ قالت ليلى : خطيبي جلال ، نظر إليها أحمد قائلاً: صاحب هذه الصورة ليس هو الشخص الذي سلمني الخطاب ، الذي أعطاني الخطاب شخص أخر ،
بقلم / جمال إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق