دوار القمر
حلقة 9
مضت أسابيع على سجن يوسف، ولا تزال دموع أمه تملأ مقلتيها، تبكي وتشكي أمرها إلى سكان السماء حتى يفكوا اسر أبنها، وتدعي على الذي كان السبب في توريطه بمسائل بعيدة عن حياتهم المسالمة الطيبة... وحتى بعيدة عن بلدتهم دوار القمر، أبدا لم يسجن أحد من أبناء هذه البلدة، حتى مخفر الشرطة الموجود في هذه الضيعة، لا أحد يدخل اليه، ولا حتى الشرطة ذاتهم يدخلون إلى مكاتبهم، هم يجلسون في الشمس يحتسون القهوة ويشفطون المته، ليس عندهم عمل سوى بعض الأمور المكتبية العادية.
حادثة يوسف بعيدة عن مجتمع دوار القمر، والحقيقة يوسف كان ضحية صداقة هذا الفاسد النمر الذي أغراه بالمال ويوما بعد يوم استطاع النمر أن يورط يوسف في تجاوز بعض النقاط الصغيرة التي لا تضر بالمصلحة العامة، ويجزل له في العطاء، ثم تزايدت التجاوزات مرة بعد مرة، ثم صارت مخالفات يحاسب عليها القانون في بعض المستندات الرسمية...
يوسف خريج كلية الاقتصاد قسم المحاسبة، تخرج من الجامعة بتفوق. وتوظف في المصرف وأثبت جدارة في العمل، وبنتيجة شطارته، وحسن سلوكه رضيت الإدارة عنه، وأسلموه منصب مسؤول...
لم يكن يعرف الغش أو الكذب، وكان مجتهدا كأغلب تلاميذ المدرسة.
ولأسباب صبيانية صغيرة كان على عداوة مع عادل في المدرسة الابتدائية، رغم إن عادل أصغر بالعمر من يوسف ثلاث أو أربع سنوات...واستمرت الكراهية في قلبيهما إلى اليوم...
وبعد أن تصادق النمر مع يوسف الذي أغرته النقود الكثيرة وأعمت بصيرته. فكر بأن يزوج أخته فيروز لهذا التاجر الحقير. ظناً منه بأنه يضمن لها حياة غنية، ورفاهية، وبيت واسع، وسيارة فخمة، غير ذلك، سوف تدر على أهلها من خيرات النمر ذو الخمسين عاماً. بينما هي غاية في الشباب والجمال...
متناسياً مسألة العمر المناسب، والحب، والبيئة المتقاربة.
النمر كان يوهم الجميع بأن ثروته سببها وكالة السيارات الضخمة، التي يملكها في المدينة، وتأجير الشقق السكنية التي يملكها وهذه أعمال شريفة لا غبار عليها...
عندما عرف يوسف بقصة ارتباط عادل مع أخته بقصة حب، وهما متواعدان على الزواج بمعرفة الأهل، طار صوابه، كيف يترك هذا الصبي الطالب في السنة الثالثة بكلية الزرعة الذي يكرهه يحوز على أخته، وتترك هذا العريس الذي يلعب بالفلوس لعباً...
بعدما تعرف النمر على فيروز وأعجب بها، اشتدت الصداقة بينه وبين يوسف، كان النمر يخطط أن يتزوج فيروز، وهكذا سيضع يوسف تحت جناحيه، وسيفتح له باب التلاعب في فتح الحسابات المصرفية الوهمية لأشخاص يعملون سراً بخدمة النمر... لاستقبال الأموال الواردة من الخارج المراد تبيضها في سورية...
ثم قرر النمر أن يورط يوسف معه بأعماله الشيطانية في تجارة المخدرات، أعطاه كيس مخدرات حتى يضعه في غرفة عادل، وينتهي من هذا الولد الذي تحبه فيروز...
والحمد لله اكتشفت الشرطة المؤامرة ولم يتورط يوسف بعد في تجارة المخدرات وتبيض الأموال...وإلا كانت قصة كارثية لا تنتهي وحتى عقوبة السجن المؤبد لا تكفي.
الأحد الماضي وقت الصلاة، وصل كمال اخو أبو يوسف إلى قرية دوار القمر لاستخراج أوراق رسمية من السجلات المدنية، وشعبة التجنيد من أجل هجرة إلى أمريكا، وصله القبول من أقرباء زوجته المهاجرين هناك.
كمال لم يجد أخاه وعائلته بالكنيسة، سأل الكاهن عنهم، قال الكاهن لا أخوك ولا عائلته يحضرون إلى الكنيسة بعد توقيف يوسف، دعنا الآن نذهب سوية لزيارتهم...
تعانق كمال مع أخيه وعائلة أخيه عناقاٌ حاراً زادت في حرارته الدموع، كمال كان يحب يوسف كثيراً عندما كان صغيرا، لكن بعدما تزوج كمال سكن في مدينة زوجته القامشلي، وكان عدد زياراته إلى دوار القمر نادرة، ربما تعد على الأصابع.
أثناء احتساء القهوة قال الأبونا: عدم ذهابكم للكنيسة، يعني انكم تعاتبون الله، وتحملونه ذنب عدم إنقاذ يوسف من مصيبته، وهذه خطيئة، عليكم أن تتصالحوا مع الله.
قال أبو يوسف، اعذرني يا أبونا أبني كسر ظهري، لم نعد قادرين على مواجهة الناس، حتى في الشوارع بتنا نخاف مواجهة العالم، نخشى أن يشمتون بنا... وتابع أبو يوسف: أمضيت عمري ولم أزاعل أحداً ولا سمحت لأحد أن يزعل مني كنت دائماً حريصاُ على المصالحة مؤمناً بأن "الصلح هو سيد الأحكام" اما مع ابني فقد عجزت على التفاهم معه...صديقه المجرم سرق لب ابني، وخرب عقله.
قال كمال: لا بد لي من زيارة يوسف قبل ذهابي إلى أمريكا...وأتمنى منكم جميعا أن تذهبوا معي، كل إنسان يخطئ، الله يسامح التائب، هل نحن نحقد ولا نغفر؟ قالت أم يوسف أكيد سنذهب جميعاً.
قالت فيروز: أنا لن أذهب ولن اسامحه اطلاقاً.
قال الأبونا: لا يا أبنتي، أنت أبنة كنيسة ومن صلب ديننا أن نغفر للذين يخطئون الينا، حتى الله يغفر لنا زلاتنا... وهذا هو أخوك، والآن هو سجين علينا أن نزوره ونسامحه ونصلي له حتى يخفف الله اسره.
كانت أم يوسف تطبخ الأكلات التي يحبها يوسف بعدها حملوا وذهبوا الى السجن بدمشق.
وكان لقاء، لا استطيع وصف هذه المشاعر لكم أصدقائي...بكاء وفرح بلقاء الحبيب، حتى فيروز التي كانت قاسمة اليمين بألا تغفر لأخيها، حضنته ولم تكف عن تقبيله...
يوسف كانت دموعه تتساقط وهو يقول سامحوني يا أهلي، سامحوني كم كنت سيئ وفظ معكم...
ثم قال لأخته، في المرة القادمة أحضري عادل معك...
كاتب الحلقة: عبده داود
إلى اللقاء بالحلقة 10
من يود قراءة الحلقات السابقة تجدونها في "مجموعة رواياتي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق