أنا والرمال
عند غروب الشمس..
على شاطئ الذكريات..
جلست أعاتب الرمال:
“كنا هنا نحكي الحكايات،
ألا تذكرين؟!
كنا هنا تداعب أيدينا حبّاتك،
ننثرها فوق أعيننا، وتعلو الضحكات،
ألا تذكرين؟!
كنا نجلس هنا على مقعدنا
كما تعودنا؛ فيذوب من سحر الكلمات،
ألا تذكرين؟!
وتتشابك أيدينا وتتلاقى قلوبنا،
ونتبادل الوعود بالهمسات،
ألا تذكرين؟!
جئتك اليوم معاتبة وحدي،
قد غاب الرفيق عني،
غاب مَن وهبته القلب والروح،
لم يعد في أيامي،
ولا حتى أحلامي،
قد أخذ الزمان مني الرفيق،
وفقدت بعده الحياة،
وبقيت معي أحزاني وآلامي،
لم يعد في طريقي،
ولم يعد للذكرى مكان،
جئت إليك؛ لأستنشق عطره،
أستعيد ملامحه هنا،
أستعيد هنا جزءًا من كياني،
أتذكرين؟ كنا هنا.. كنا هنا”.
أجابتني الرمال:
“جئتِ لتستردي العطر؟!
لقد أخذته الأمواج، ذاب فيها واندثر،
لقد أطلتما البعد عنا،
سألنا عنكما حتى الشجر،
مضت الأعوام،
وبقي العطر وحده يملأ المكان،
ننادي: أين أنتما؟ أين المفر؟!
أذاب الحنين مقعديكما، وقال:
أين غابا؟ أين رفيقا العمر؟
غابت ملامحكما عنا،
ولم يعد لنا غير الصبر،
اذهبي وعودي بالرفيق”..
عجبت من الرمال!
فكيف لي أن أعود به؟!
أيعود الأموات من القبور؟!
فعدت حيرانة أسفة؛
فقد خاب الرجاء،
قد خاب سعيي في استعادة العطر،
سدت الرمال الطريق أمام وجهي،
ألم تلمح ملامحه في عينيّ؟ ألم تلمح؟!
ألم تجد ملامحه في أوراقي ومعطفي؟!
ألم تقرأ الكلام يملأ قلمي؟!
“اقرأي يا رمال.. اقرأي،
لقد فتشت عنه في السماء، فتشت عنه بين قطرات المطر،
فتشت عنه في السحاب، فتشت عنه في نور القمر،
فتشت عنه في الصحاري والجبال، فتشت عنه حتى في أحلامي، حتى القبور نبشتها ولم تخبرني الأموات عنه،
لم يبقَ لي إلا أنتِ،
قد ضاع مني رفيق العمر”..
قالت لي:
إنه قد جاء هنا، كان لديكِ،
كان.. ولم يكن الآن”..
“لقد سددتِ في وجهي أبواب الرجاء،
دعيني أخبرك أني قد ضللت الطريق،
سأعود وأترك لكِ بعضًا من ملامحي،
بعضًا من كلماتي،
بعضًا من عطري،
إن عاد.. أخبريه أنني كنت يومًا هنا،
سألت عن أخباره،
أخبريه أنني لم أنسَ يومًا ما كان بيننا،
أخبريه أنني مازلت على العهد، الذي هو قد خانه”،
وتركت لها عنواني
بقلم /منى مراد
من كتاب انا والرمال

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق