هذا الرجل أحبه
عنوان الحلقة: سطوع نجم
الحلقة 3
عندما دخلنا إلى المطعم، استولت عليّ الدهشة. فخامة المطعم من العيار الثقيل، يصنفونه بامتياز خمسة نجوم...
سارع الخدم يرحبون بماريا...
قالت لهم: افرشوا لنا طاولة، عشاء احتفالياً. اكرر عشاء إحتفاليا، ولا تنسوا أفضل الخمور.
وقالت لي، تعال معي ساقدمك إلى والدي، كان هناك رجلاً يجلس خلف الطاولة، وغرفة مكتب ضخمة لا نرى مثلها سوى في صور القصور الملكية.
بداية ذاك الرجل لم يكترث بي، لكن عندما تكلمت مارينا وقالت أقدم لك سمير خطيبي.
وقف والد مارينا، وأخذ يحدق بي بدهشة واستغراب، ثم قال أليس هذا الشخص هو صاحب الصورة إياها؟
قالت ماريا: نعم يا أبي، هذا هو سمير بالذات، سمير الحقيقي، وليس سمير الوهم...سمير إنسان موجود حي على هذا الكوكب وليس اسطورة من عالم الخيال.
قال الأب: ياه، أين كنت مختفيا يا أبني؟ ماريا اتعبتنا وهي تبحث عنك...حتى بتنا نشك إنك من الأحياء
من أنت؟ ومن أي دنيا جئت؟ كيف سحرت أبنتي وافقدتها رشدها، وجعلتها تعيش في دوامة، وكانت تردد باستمرار لا بد سأجده يوما...إنه حلمي.
اصلاً هي لم تكن تعرف عنك أي شيء. ولا حتى اسمك، فكيف ستجدك؟ عندما شاهدتك في المترو، شاهدت فيك ملامح الرجل الذي كانت تتخيله بفكرها، وأرادت أن تجسد صورة الجمال الذي شاهدته فيك، كانت تتكلم عنك كأنك ملاك من عالم آخر.
قطع الحديث دخول نادل المطعم وقال: سيدي لقد وصل سيادة الوزير.
وقال لماريا: سيدتي، لقد أصبحت الطاولة جاهزة لكما.
قال الأب: لا ليست لهما، بل لنا نحن أربعة، سأخبر زوجتي لتحضر وتتعرف على صهرنا.
وقال: الأب اذهبا أنتما، وعندما تأتي أم مارينا سننضم إليكما...
الطاولة التي أعدوها لنا، بالفعل طاولة تفرش للأمراء، الشموع والورود والكؤوس وأنواع النبيذ الفاخر... والصحون وكل شيء على الطاولة ملفت للنظر مثيراً للدهشة والروعة.
بهدوء أخذت أحدق في ذاك المطعم الفخم الواسع، المليء بالناس، جميعهم من الطبقة الغنية جداً رفيعة المستوى، يستدل على ذلك، نوعية الألبسة التي يرتدونها، والمصاغ الذي تتزين به النساء...
تميزت طاولتنا بوجود الوردة الدمشقية رائعة الجمال عليها، ذات العبق الذي يبهج الأنفاس، قالت ماريا بأنها تحب الوردة الدمشقية وكأن القدر يعرف بأنني سأعشق واحداً من سورية...
كان حينها موسيقيون يعزفون الحانا كلاسيكية لكبار الموسيقيين، وعندما عزف بالكمان أحد الموسيقيين مقطوعة إلى باخ، أدهشني عزفه، لكنه أخطأ في لحظة ما. تألمت أنا حينها.
يبدو ماريا شعرت بانسجامي الكامل مع الموسيقى ولكنها بقيت ساكنة تتأملني...
جاء إلى طاولتنا والدا ماريا، وكان واضحاً بأن أم ماريا تحمل عصا غليظة لتنهال لي ضرباً، لتخرجني من عالم ابنتها... وتأكدت ظنوني من لهجتها في الكلام معي. عندما قالت: من تكون أنت هذه الشخصية الخرافية التي تعذب ابنتي، من تظن نفسك؟ حتى تجعل ابنتي تركض وراءك...وترفض عرسان يتمنون ابتسامة منها...ثم قالت لابنتها أتفضلين هذا الإنسان الغريب الإرهابي، بدون هوية على الشاب خوان الذي سيموت عليك... عديدون طلبوك وأنت ترفضينهم أمن أجل هذا الإنسان المطمور الذي لا نعرف عنه شيئاً؟ يكفينا إنه إرهابي...
قالت ماريا من الذي أخبرك بهذا الكلام القبيح عن حبيبي؟
قالت الأم: خوان طبعآ الذي يخاف عليك من نسمة الهواء.
أنا لم أنبت بكلمة واحدة، والد مارينا كان مزعوجاً جداً من كلام زوجته.
مارينا أجهشت بالبكاء وانهمرت دموعها، هذا الذي جعل الأم تسكت وتهدأ...
قال الأب، ابنتي أنهت السن القانونية، ولها الحق أن تختار عريسها ومستقبلها كما تريد. ومن ثم من هذا الصعلوك خوان قريبك الذي تحبينه، ألانه ثري معه مال، وهل نحن بحاجة إلى المال. نحن بحاجة إلى قلب يعرف الحب، خوان، انسان وضيع، انتهازي، وصولي، لا يسكن قلبه سوى الخبث، يبحث عن المال، أنا لا أحبه ولا بأي صورة من الصور...
ثم التفت نحوي وسألني، وأنت يا سمير ماذا تملك؟
قلت: بصراحة يا سيدي، أنا لا أملك شيئآ، انا من الطبقة الدنيا، وبصراحة لا أجسر أن أفكر أن أطلب يد ابنتكم، أنتم من طبقات المجتمع العالية، ونحن لا زلنا نعيش في الطبقات المعدمة...
وضعت ماريا يدها على فمي تريد إسكاتي، وإنهاء الحديث. وقالت لي هلم نرقص، قلت لا، ثيابي لا تليق أن أقف في حلبة الرقص بينكم.
بعدها توقفت الموسيقى، وقالوا فترة استراحة للعازفين، وبعدها سيتابعون...
نهضت ماريا وصعدت إلى مرتفع الموسيقيين، وأخذت (المكرفون) مكبر الصوت: وقالت يسعدنا هذه الليلة أن يكون بيننا عازف كبير من سورية، اسمه سمير عبود. خطيبي، وأرجوه أن يأتي إلى هنا ويسمعنا بعضاً من المقطوعات التي هو يختارها...
صفق بعضهم ببرود وكانوا ينظرون إلى طاولتنا بانتظار الموسيقار الذي لا أحد سمع عنه.
أنا ذبت من خجل المفاجأة، وأحترت كيف أتصرف، ولكن كان لا بد من التنفيذ، مهما كانت النتائج...
خطيبتي التي اسميها خطيبتي، وهي ليست بخطيبتي، وضعتني في الخانة الصعبة، ويجب ألا أخجل ماريا...
جررت قوة من ضعف، وشددت ثقتي بنفسي، واخترت مقطوعة إلى باخ أحبها. وبدأت العزف، واندمجت مع اللحن وتناسيت المكان والحضور، وحلقت في عالم غير عالمي.
تصفق حاد، جعلني أعود إلى المكان...
وفاجأتني ماريا وأبوها يقبلاني بحرارة. والناس يصيحون پراڤو، پراڤو، ويصفقون بشدة...واغلبهم كان وقوفاً...
ابو ماريا قال بالفعل انت من عالم مختلف...
إلى اللقاء بحلقة4
المؤلف: عبده داود
الحلقات السابقة تجدونا بمجموعة (هذا الرجل أحبه)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق