الجمعة، 23 ديسمبر 2022

♕ قصة .. عاشقة البحار ♕ بقلم الأديب : د.عبده داود

 عاشقة البحار

قصة

سمعوا طرقاً خفيفاً على باب البيت في ساعة متأخرة من الليل، نظرت أم سميرة إلى زوجها باستغراب، هو حرك شفتيه بمعنى لا يدري من الطارق...

فتح الباب بحذر ، وإذ ابنته سميرة بلباس البحرية الأبيض تقف أمامه...

صاح الأب بفرح مجنون، هذه سمير، أختها قفزت من السرير، والأم هرعت في لباسها النوم، يستقبلان الغائبة الحاضرة، أعز الناس حبيبة القلب...

قالت سميرة: بأن السفينة (سفينتها) وصلت لبنان وستبقى اثنان وثلاثين ساعة في الميناء، لذلك جئت أراكم وغداً مساء سأعود إلى بيروت...

قالت الأم: يا، صارت زيارتك محسوبة علينا بالساعة...

لم تعد العائلة تعرف ما الذي تفعله للاحتفال بالضيفة الحبيبة...

أمها لم تكف عن تقبيلها، أختها لا تنتهي اسئلتها، ابوها يشعر بالفرح، والغبطة تملأ قلبه، لا يتكلم...

تلك الليلة لم تنم العائلة على الإطلاق، اشرقت الشمس واسئلة اختها لم تنتهي...لكنها نهضت لتحضر قهوة الصباح...

أبو سميرة قال: اليوم سآخذه عطلة ابتهاجا بوجود حبيبة القلب معنا...

أم سميرة ذهبت إلى السوق لتحضر لوازم الطبخات التي تحبها ابنتها الضيفة...

ودار السؤال بين سميرة وأختها هل ستخبر سميرة الأستاذ سمير بحضورها، أم تكتمان الأمر عنه؟

قالت ملك إذا لم نخبره، وعرف فيما بعد بأنك كنت في الشام، ولم تتصلي معه سوف يقطع زياراته لنا ولن نشاهده بعدها...

وأخيرا كتبت له سميرة، رسالة قصيرة مستخدمة الجوال قالت: أنا في دمشق...

لا أحد يدري ما الذي حدث لسمير، هل كانت نوبة فرح هستيرية، أم تساؤلات عديدة متناقضة دارت في فكره، هل سميرة وافقت أخيراً أن تعود إلى الشام، وتنهي عقدها مع شركة الملاحة؟ وهل هي وافقت أخيرا أن نتزوج ونقيم معاً في دمشق، أم ماذا هناك يا ترى؟

أفكار كانت تدور في رأسه، وكان يرقص فرحاً، ولم يعد يدري هل يذهب فوراً اليها، أم ينتظر إشارة منها، أخيراً، هدأ انفعالاته الصاخبة، وأخذ حماماً ساخناً، وهندم ذاته بشكل غير عادي، وركب سيارته الفخمة، وانطلق إليها، بينما أمه كانت تتساءل وتمتم قائلة: ربنا يعطينا خير هذا اليوم...يبدو هناك قصة حب جديدة ، إن شاء الله نكون قد انتهينا من تلك المجنونة عاشقة البحار...

ولأول مرة يندفع سمير ويقبل سميرة بكل عواطفه وأهلها ينظرون إلى هذا العاشق الولهان بمحبة وهم متمنون أن تعود سميرة وترضى بقبول هذا العريس العاشق المعذب...

اصر سمير بأن يعزم العائلة إلى وجبة غذاء في أفخم مطاعم المدينة، لكن سميرة رفضت قبول الدعوة بشدة... وقالت هي ساعات قليلة وسأغادر إلى لبنان...

تحطمت فرحة سمير عندما علم بأن سميرة قد أتت لتزور أهلها لساعات قليلة وستعود إلى سفينتها عشية ذلك اليوم...

سميرة تقصدت أن تر سمير دفتر مذكراتها وقالت لقد بدأتُ عملية جمع المعلومات، كل يوم سأكتب الجديد، وبعد أن أكتفي سأنسق هذه المعلومات في كتاب اسمه (عاشقة البحر)

تقصدت سميرة هذه الكلمات لتأكد لسمير إصرارها على تحقيق هدفها بأن تصبح الكابتن سميرة ملكة البحار...وتقود السفينة السياحية، بل الأحرى المدينة العائمة عبر العالم، التي تمخر عباب البحار، وتحتك بشعوب الأرض وثقافاتهم المختلفة...ولن تحيد عن رغتها هذه مهما واجهت من مصاعب، حتى ولو كان الثمن الذي ستدفعه هو: حبها الكبير الذي تعتبره الفداء الذي ستقدمه على مذابح الضحايا، حتى تستمر في الوصول إلى قلب الدريئة... وإلى هدفها الذي صار مقدسٱ في حياتها، وها هي تدفع الثمن غاليا حبها ومستقبل قلبها...ثمن باهظ جدا بل هو بالأحرى كل حياتها الذي هو حبها الكبير في حياتها.

كان نهارا منقضته سميرة في ربوع أهلها ومعها حبيبها الذي تعتبره السعادة المتجسدة في حياتها...

اصر سمير أن يوصل خطيبته إلى بيروت لتستأنف رحلته عبر العالم، وكم حاول أن يقدم لها من المشهيات التي تتمناها حتى تغير رغبتها في عشق البحار... قال لها: لك شقة سكنية في أجمل مناطق دمشق، سيارة فخمة خاصة لك، وكل ما تشتهينه في هذا العالم سأقدمه لك. فقط ارجعي لتعيشي معي ونربي أطفالنا سوية...

قالت سميرة في سرها: أنا لا أتخلى عن حلمي لو ملكوني العالم. لكنها قالت:

يا سمير إدارة السفينة تعطينا شقة لي ولك وستكون شقة فخمة ملوكية عندما أصل إلى قيادة السفينة...وقالت بوضوح: أنا لا أريد أولادا لأنني لن أكون على اليابسة معهم، ولن أدعهم للمربيات أن يقمن بواجب الأم بدلاً عني.

أنا الآن أكتب يومياتي، وعندما أتقاعد، سأكون المستشار لقادة السفينة الجدد، وحينها سأتفرغ لنقل يومياتي التي أكتبها يوما بعد يوم إلى مؤلفات عن عالم البحار لتكون قصة حياتي وقصة حبي الكبير

أنا والبحر.

بقلمي: عبده داود

22.12.2022




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ قُبلةُ الموت ♕ بقلم الشاعر : البشير سلطاني

 قُبلةُ الموت  صمت أطبق على عرب وعجم وسدت أفواه على منابر ودير بنادق توزع الموت فوف أم وطفل يرتجى له طول عمر عاصفة هوجاء تنشر السموم لتروي خ...