يوم من عمري
انقشع الظلام . بدأت الشمس تنشر أول خيوط الضياء .
استيقظ كل شئ في الكون حتى الطيور ملأت الأشجار بزقزقة رنانة تضيف لليوم موسيقى وان كانت صاخبة بعض الشيء لكنها تملأ الجو حيوية ونشاط .
أصحاب المحال يتسابقون في إسداء تحية الصباح لبعضهم . الفتيان يخرجون بزي المدرسة الموحد اللون والفتيات تزين ضفائرهن بشرائط بيض اللون . الرجال ينطلقون لأعمالهم تدعو لهم زوجاتهم بالرزق الوفير وسلامة العودة .
داخل تلك المدرسة الصغيرة الواقعة على أطراف البلدة . مر اليوم بين الحصص المدرسية المعتادة والأنشطة البسيطة من رياضة الجري و الرسم . انتهى اليوم مثل سابقه وعاد الجميع لمنازلهم الا تلك الصغيرة ذات العشر سنوات بالمرحلة الابتدائية .أغلقت الأبواب ، الأم في المنزل تنتظر . مرت الدقائق كأنها ساعات . بدأ القلق يتسرب اليها وزاد من توترها دقات الساعة التي أعلنت مرور ساعتين على ميعاد رجوع ابنتها للمنزل ، فاندفعت بجنون نحو المدرسة، صدمتها الأقفال الحديدية على الأبواب ، وعادت تجوب المنازل المجاورة لها وتسأل الأهل والأصدقاء .أخيراً لم تجد بداً من ابلاغ زوجها بما حدث ، ليكملا رحلة البحث سويا . طرقوا كل الأبواب والمستشفيات حتى قسم الشرطة لعمل محضر . ولم تعد كل محاولاتهم بأية فائدة . ولكن ما حدث في نهاية اليوم كان أغرب لقد قبضت الشرطة على غفير المدرسة بسبب سرقة بعض الأجهزة ، فزع الأبوان وهرولا نحو القسم وتحدثا مع الضابط الخافر : عم سيد ده راجل غلبان ده كان بيوصل بنتنا كل يوم للبيت بدون أي أجر وتفضل معاه لحد اليوم الدراسي ما يخلص ويقفل الابواب وبعدين يوصلها ... و. .. صمت الأب قليلاًوجرى نحو المدرسة مرة أخرى يبدو أنه انتبه لشيء هام و تسلق السور وذهب نحو غرفة عم سيد ليجد ابنته تجلس في إحدى زوايا الغرفة والخوف يهز جسدها النحيل ترتجف أطرافها بلا توقف . وحين رأت أباها ارتمت في أحضانه تبكي بصوت عال : بابا ..بابا تقول بصوت متقطع يسمع بالكاد .....أنا شفت الرجل الوحش أخد ... وضرب عم سيد وهرب .. وأنا خفت أوي وفضلت مكاني هنا .
بابا أنا ... .هدأ الأب من روعها وأخذها للمنزل .
وتركها ومضى يحكي للضابط ما روته ابنته عما حدث ووصفها للسارق، لكنه ترجاه ألا يتحدث إليها لأنها في حالة لا تسمح لها بالكلام خاصة هذا الموضوع وهو لم يأتي ليخبره إلا لخوفه على ذاك الرجل الطيب الذي اتهم بجريمة لم يفعلها . وافق الضابط على مضض ، وحاول جاهداً أن يتقصى الحقيقة ممن يسكنون بالقرب من المدرسة و إذا كانوا قد شاهدوا شخصاً غريباً في تلك الليلة وكيف بدا مظهره ، وبعد أيام قلائل جمع بعض من مواصفات اللص ورسم صورة تقريبية له ، ذهب لمنزل الطفلة الصغيرة وأراها الصورة فجاوبته : هو . هو . هو ده يا عمو الضابط . أخذ الصورة وعرضها على كل أصحاب المقاهي المنتشرة بالقرية والمحال التي حول المدرسة ، حتى اكتشف أنه لص محترف يقطن بالقرية المجاورة وقد جاء قبل ذاك اليوم صدفة وجلس في المقهى الذي اعتاد عم سيد الجلوس فيه وكان يتحدث عن أجهزة حاسوب جديدة بالمدرسة وبعض من الآلات الموسيقية ،
لم تمر ساعات إلا وتم القبض عليه وهو يحوم حول المقهى محاولاً معرفة ماحدث لخفير المدرسة .
وخرج عم سيد من محبسه وشكر الطفلة وأهلها والتصق بهم أكثر من ذي قبل وصار يقضي معهم أوقاته .
أمل رياض
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق