♕ مازلت طفلة ♕ بقلم الكاتبة : د.جيهان ناجي طنطاوي

 مازلت طفلة.

. غادة ناجي طنطاوي. Ghada_tantawi@

حبوت على أرض بيتٍ اشتاق للأحفاد لبرهةٍ طويلة، فكنت الطفلة المدللة، لأبٍ مدلل كان آخر العنقود. كانت طفولتي هادئة، لم أكن أشبه غيري من الأطفال في هدوئي الملفت للنظر، كانت ألعابي دومًا بحالة جيدة، ولم تُكسَر قط، وعندما كان الجميع ينتظر المدرسة لِيَقتَنِي شنطةً جديدة، كنت أتوق أنا لزيارة المكتبة.

وكأي طفلة، كنت أحب اللعب ومشاهدة أفلام الكرتون، وهنا تبدأ قصةٌ مختلفة..!! كم كان تأثير أفلام الكرتون كبيرًا على طفلةٍ لم يتعدَ عمرها عشر سنوات، كنت استمتع بمشاهدة مغامرات جريندايزر للفضاء، الذي تربى عليه معظم أبناء جيلي، ولا زال يردد أغنية المقدمة حتى الآن، كنت أعتقد بأن الكائنات الفضائية ستغزوا كوكب الأرض يومًا ما، وأني سأصبح ماريا أو هيكارو، لأُحلِّق بسلاحي الملاحي، وعندما كبرت أصبح الأمر مضحكًا بالنسبة لي، عرفت بأنه لا يوجد في فضائنا الخارجي سوى النجوم ومجرات أخرى.. وأن أي حديث عن الكائنات الفضائية، ما هو إلا خوض في أجنداتٍ سياسية..!!

حلقت مع سندباد في عالمه الساحر، وكنت أتساءل عما إذا كان هناك حورياتٌ بالفعل.. وطائرٌ يسمى العنقاء..؟؟ كنت أسأل أمي باستمرارٍ عنها وكانت تضحك، وعندما كبرت تعلمت أن هناك أساطيرٌ وخرافات، وعالم سندباد كان ملئ بها.

حتى في طفولتي.. كنت أعشق الثلج، وتستهويني القرى الصغيرة لما فيها من طبيعة ساحرة، وكانت حلقات بسمة و عبده خير ما يمتع ناظري بفصل الشتاء في القرى البسيطة. نشأت معي فكرة بيوت الشجر وأواني الأكل الخشبية، مدفأة الحطب والقناديل الليلية.. وعندما كبرت اكتشفت بأنه لا يوجد بيوتًا في الأشجار..!! فقرية بسمة وعبده كانت قرية للأقزام..!! وأن وجود عائلة روبنسون كروزو وفلونة على جزيرةٍ خالية من السكان، لم تكن سوى قصة لسفينة غرقت في المحيط، فاضطر أفرادها على التأقلم مع الظروف بالإجبار، فحُرِموا حينها حق الإختيار..!!

عشت لفترةٍ طويلة وأنا مؤمنة بأني لو سقطت من الطائرة سأقع في حضن الغيوم بسبب حلقات الدببة الطيبين، وكنت أتعجب من خوف الكبار حال سماعهم بحادث طائرةٍ وقعت..!! كبرت وتعلمت أنه لا يوجد أحضان للغيوم، وسقوط الطائرة يعني كارثة..!!

وفي ظل جميع ما ذكرت.. تبقى لي حقيقةٌ واحدة.. أن عائلة فلونة روبنسون كروزو، استفادت بما جادت به الجزيرة عليهم، فتعلمت منهم معنى الصراع من أجل البقاء، سنان وحيوانات الغابة، تتكلم بلغةٍ قد لا نفهمها نحن البشر، لكنها أعطتنا درسًا في الرحمة، وأن مغامرات عدنان ولينا تحكي عن نظرية المؤامرة، وسانشيروا وبطله جونكر الخارق، كان بمثابة إعلان مبكر عن شريحة الدجال.

توقفت حكايات ألف ليلة وليلة.. مات الأشكيف المخيف.. سافرت العنقاء واختفى الغول.. تغيرت وجوه العيد.. ولم أعد أرتدي ثيابي الجديدة.. كأن مؤشر السعادة توقف عند تلك الأيام، كبر الجميع وما زالت الطفلة بداخلي، وكم أود أن أرجع لزمنٍ يضحكني فيه مهرج السيرك.. يخيفني عرض الأسود وترضي غضبي قطعة الحلوى..!!

كَبُرت.. وكَبُرَت معي أحلامٌ وأدتها الحياة قبل أن تبصر النور..!! فليس كل ما نحلم به في الصغر، نجده واقعًا في الكبر، هناك أحلامٌ كثيرة وردية حلمنا بها وكبرنا لنتفاجأ بأنها مجرد فقاعات اصطدمت بجدار الحقيقة وتلاشت في الهواء.