«(3)»الباراديغم والمنهج الإسلامي«(3)»
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وصلا بما سبق ف (الباراديغم) ليس منها خطورة على العلاقات الإنسانية ، فهي داعمة وتنظم العلاقات بين الناس بصورة أخلاقية ، ولنا في سيرة الحبيب صل الله عليه وسلم أصدق وأجل الأمثلة
... لكن الخطورة تكمن في الإنقلاب كلياً على (الباراديغم) كتوجه فكري وعقائدي ، وهذا النوع من السلوك الإنقلابي ، هو الذي يحدث للأسف مع الدين والعقيدة ، بأن يتبني الشخص عقيدة مغايرة للفطرة والواقع الإيماني للإنسان وهذا مايسمى (الباراديغم شفت paradigm shift) ، وهذا الإنقلاب ممدوحا ومطلوبا في حالة الملحد حينما يسلم وجهه لله فهذا يعتبر تعديل سلوك في الإتجاه الصحيح أما العكس فسيكون مدمر للشخص والمجتمع لأنه سيدخل في زمرة الإلحاد
... ومصطلح (الباراديغم) يظهر جليا في التطبيق العملي في الأحداث والمواقف ، وهذا مايسمى (الإدراك النظري) ، إذ يضرب المتكلم مثلا ما لايفهم إلا بإسقاطه على مثل محسوس ومفهوم ، بغية إيضاح الفكرة النظرية التي تقال ولم تفهم
... ومن المعلوم أن لكل موقف زوايا نظر متعددة وكلها صحيحة فإذا أخبرك أحدهم أن ١+٩=١٠ أو ٢+٨=١٠ أو ٣+٧=١٠ أو ٤+٦=١٠ أو ٥+٥=١٠ فكلها صحيحة ف للحقائق أوجه كثيرة ، وكل منا يراها من وجهة نظر مختلفة عن الٱخر
... وهناك الكثير من وجهات النظر غير المنطقية وغير المترابطة ، وهي غالبا ما تكون غير صحيحة ، وهي مثلا أننا لن نفهم الآخرين ولن نكسبهم إلا عندما نفكر بالطريقة التي يفكرون بها ، فلو طبقنا هذا المفهوم عندئذ سوف لانصير (نحن) وإنما نصير (هم) ، عندئذ نفقد نحن وجهة نظرنا وشخصيتنا الفكرية والثقافية ، لذلك يجب الإنتباه حتى لانقع في هذا الفخ ونفقد هويتنا ، إنما الصح أن نمد جسورا بين وجهات النظر (الصحيحة) ولانتبنى وجهة نظر على حساب أخرى ، ونمارس طريقة التفاعل البناء ، ربما تفيد هذه الطريقة (باتباعها لحظيا) خاصة في الموازنة بين المصالح وتقرير السياسات العامة للمجتمع ، فالمشكلة الحقيقية هي في تطبيق هذه القواعد
... ويجب أن نؤكد ونذكر أنفسنا دائما أن (البراديغم) هي الثقافة والخبرات الشخصية التي يحاول من خلالها الشخص تسيير حياته والحكم على الٱخرين ومحاولة فهم الٱخر
... أما إذا حدث غير ذلك فهذا يعتبر ضعف في المخيلة والتقوقع في مانراه ، دون أن نفكر في مايراه الٱخر بهدف تهميشه ، وهذا خلق غير إسلامي
... وكذلك حذر علماء السلوك والإجتماع من الخروج من (الباراديغم) والسقوط في (النسبية) ، بمعنى أن هناك ثوابت لايمكن تجاوزها ، فعلينا أن نفرق بين أي (سلوك شخصي) قابل للتغيير والثوابت من (المقدسات) الغير قابلة للتغيير ، كالإيمان بالله ، والدفاع عن الوطن ، وإحترام القيم الدينية والإنسانية وإعمال الضمير الأخلاقي ، ولانعتبر كل هذه الأشياء باراديغم أو تعصب أو تزمت ولاندعوا للخروج من الإطار العام والصندوق إلا في النظر والتأمل وهذا مادعا إليه إبن رشد قبل (الحضارة الغرببة) بقرون وهذا يؤكد أن المنهج الإسلامي سبق كل الحضارات الأخرى في تنظيم حياة البشر
... في الصورة المرفقة نشاهد أصدق تعبير عن الباراديغم هذا التمثال للفنان (غودا) ، (الرجل المحكوم داخل الصندوق) والصندوق يمثل الأفكار والمفاهيم والثقافة ، وأعتقد أن كل دارس للفنون يشعر بالإحترام لهذا التمثال لشدة تعبيره عن الواقع البشري ، عبر التاريخ كان الفنان ينحت كل ماهو واقعي ، لكن الشئ الوحيد الذي لفت نظري هو الصندوق والإنسان ، هذه التقنية مغايرة لما تعودنا عليه وأسلوب الفنان جديد ، فالنحات (غودا) جسد لنا في هذا التمثال فكرة الإنسان المفكر المتأمل وفي نفس الوقت سجين نفسة وأفكاره
... وعلى الجانب الٱخر هناك رأي ذهب إليه علماء الإجتماع والسلوك أن مصطلح (باراديغم شيفت) وتبديل طريقة التفكير ، هى طريقة ناجحة جدا لتعلم مهارات جديدة أو لفهم دلالات غير واضحة أو تفسير سلوك غير مفهوم بشرط دون المساس بالثوابت المذكورة سلفا
... وأخيرا" من الأخلاق الإسلامية أن لاتنتقد إهتمامات الٱخرين لمجرد أنها ليست في حيز إهتمامك ، أوتراها لاتستحق ، وأن تستصغر أفراحهم وأحزانهم لأنك تراها ضئيلة ، فلكل إنسان عالمه الخاص الذي يراه الأهم والأجدر لديه ، واعلم أن حريتك تنتهي بحرية الٱخرين ، والوعي بذلك يكسبك حكمة التعامل مع البشر باختلافاتهم
تحياتى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق