القراءة النقدية الموسعة
بقلم الشاعر والناقد الاردني
دكتور محمد سليط
أشراف الشاعرة المصرية
الدكتورة الشاعرة المصرية
أيمان محمد
القصيدة بعنوان (عَذبٌ الكلام) للشاعر السوري
محمد عبد القادر زعرورة
تتفتَّحَ الأزهارُ من بين أناملكم ،
وغدا الربيعُ في ساحاتكم
ضَحَّاكُ ...
وفاحَ أريجُ عِطركم عَبِقاً ،
يتوق القلب لرؤياكم ويشدُّني
الشوق في قلبي للقياكم ..
ما الصدق بين الناس إلا مودَّة
ووفاءً وإخلاصاً ،
بأن لا تنسوني وأنساكم ...
وكما ذكرتُ محاسنكم بمودتي
اذكروني ،
فإنَّ الذِّكرىَ للأحبابِ شوقٌ
واشتياقُ ،
وتعبيرٌ عن الأشواق يسعدُني
ويُسعدكم ،
ويجعلُ رايةً الأحبابِ خَفَّاقةً
والقلب بذكركم خَفَّاقُ ....
فالحُبُّ يُحيي القلبَ يُشعِلُ نورَهُ ،
ويجعلُ الإنسان بالحبِّ والودِّ
الجميلِ بين الناسِ عملاقا ...
قولي أُحِبِّكَ وافردي أشرعةَ الهوىَ من خافقِ ،
في صدركِ البستانُ وجنَّاتٍ نشرَت
للورىَ أزهارَها ،
ففاحَ عبيرها في الكونِ وأصبحت
في النفسِ العلاجُ والتِّرياقُ ...
وأصبحت رمزاً تُخاطبُهُا الجموعُ
برِقَّةٍ وَمَوَدَّةٍ ،
كما يَشتاقُ للمُشتاقِ مُشتاقُ ...
هذا أنا أهواكمُ وأودُّكم بالودِّ وبالشَّوقِ العظيمِ وبِكلُّ خيرٍ ،
تُرفَعُ الهاماتِ وتطولُ تَحتِ الهامِ
أعناقُ ...
...............
يحق للشاعر الناقد أستخدام عناصر و أسس مستحدثة في الأدب العربي المعاصر أو دون تحديث لمراعاة ذوق المتلقي من عامة الناس .
مثل عناصر السيماتيكا والديلتيك و الأنتميكا أو التناص ولم أذهب لمثل ذلك.
هذه القصيدة تنتمي إلى الشعر العمودي، تحديدًا إلى بحر من بحور الشعر العربي، والذي يبدو لي أنه بحر الخفيف. سأشرح لكِم لماذا صنفتها كذلك، مع بعض الملاحظات:
الشعر العمودي: يتميز هذا النوع بالالتزام بوحدة الوزن والقافية، أي أن جميع أبيات القصيدة تتبع نفس التفعيلات (الوزن) وتنتهي بنفس الحرف (القافية). وهذا واضح في القصيدة المذكورة.
بحر الخفيف: يعتمد هذا البحر على التفعيلة التالية: "فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن". وهو من البحور الخفيفة الإيقاع كما يوحي اسمه. من خلال تقطيع بعض أبيات القصيدة، يظهر لي أنها قريبة جدًا من هذا البحر. مثال:
تتفتَّحَ الأزهارُ من بين أناملكم (فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن)
وحدة القافية: القصيدة ملتزمة بقافية موحدة، وهي حرف الكاف المضموم، مع بعض التنوع في الكلمات التي تنتهي بها، مثل: ضحَّاكُ، عِطركم، رؤياكم، أنساكم، اشتياقُ، عملاقا، التِّرياقُ، مُشتاقُ، أعناقُ. هذا الالتزام بالقافية هو من سمات الشعر العمودي.
ملاحظات أخرى:
اللغة: لغة القصيدة فصيحة وقوية، مع استخدام بعض الصور الشعرية الجميلة، مثل تشبيه تفتح الأزهار بتفتحها من بين الأنامل، وتشبيه القلب بالخفاق من شدة الشوق.
الموضوع: موضوع القصيدة يدور حول الحب والود والإخلاص والشوق، وهي من المواضيع الشائعة في الشعر العربي.
بعض الكسور الوزنية: قد توجد بعض الكسور الوزنية الطفيفة في بعض الأبيات، وهذا أمر وارد في الشعر، . قد يكون السبب ربما يعود لخطأ بسيط من الشاعر.
بناءً على ما سبق، يمكن القول بثقة كبيرة أن القصيدة من الشعر العمودي، وعلى الأرجح من بحر الخفيف.
معلومات إضافية عن الشاعر: ذكر الشاعر اسمه في نهاية القصيدة وهو "محمد عبد القادر زعرورة". من خلال أطلاعي على الكثير من المراجع الأدبية ، وجدت إشارة إلى شخصية باسم "محمد عبد القادر زعرورة" في "ذاكرة فلسطين"، حيث توجد رسالة من الشاعر محمد زعرورة إلى الحاج أمين الحسيني عام 1949. قد يكون هناك صلة قرابة بين الشاعرين،
والمبهج هنا الأسم بصفته الشاعرين
محمد عبد القادر زعرورة.
وخاصة أن شعوب بلاد الشام جميعهم أقارب.
سأحلل أسلوب الشاعر محمد عبد القادر زعرورة في قصيدته التي ذكرتها، مع التركيز على العناصر الأسلوبية التي تميزها:
1. اللغة:
الفصاحة والجزالة: يستخدم الشاعر لغة عربية فصيحة، مع اختيار ألفاظ قوية ومعبرة، مثل: "تتفتَّحَ الأزهارُ"، "أريجُ عِطركم عَبِقاً"، "رايةً الأحبابِ خَفَّاقةً"، "أشرعةَ الهوىَ من خافقِ". هذا يدل على تمكن الشاعر من اللغة العربية وقدرته على تطويعها للتعبير عن مشاعره.
الوضوح والسهولة: مع فصاحة اللغة، يحرص الشاعر على استخدام ألفاظ واضحة وسهلة الفهم، مما يجعل القصيدة قريبة من القلب ومفهومة للجميع.
استخدام المحسنات البديعية بشكل معتدل: يستخدم الشاعر بعض المحسنات البديعية، مثل الجناس (خَفَّاقةً، خَفَّاقُ) والطباق (لا تنسوني وأنساكم)، لكنه لا يكثر منها بشكل مبالغ فيه، مما يحافظ على سلاسة النص.
2. الصور الشعرية:
التشبيه: يستخدم الشاعر التشبيه لإضفاء جمالية على النص وتوضيح المعاني، مثل: "في صدركِ البستانُ وجنَّاتٍ نشرَت للورىَ أزهارَها". هذا التشبيه يصور جمال المحبوبة وصفاء قلبها.
الاستعارة: يستخدم الشاعر الاستعارة بشكل فعال، مثل: "وافردي أشرعةَ الهوىَ من خافقِ". هنا، استعار الشاعر صورة الأشرعة التي تُفرد للريح، ليصف بها انطلاق مشاعر الحب.
الكناية: يستخدم الشاعر الكناية للتعبير عن المعاني بطريقة غير مباشرة، مثل: "تُرفَعُ الهاماتِ وتطولُ تَحتِ الهامِ أعناقُ". هنا، كناية عن العزة والفخر.
3. العاطفة:
صدق العاطفة: تعبر القصيدة عن عاطفة حب وشوق قوية وصادقة، مما يجعلها مؤثرة في القارئ.
التركيز على عاطفة الحب والود: يركز الشاعر بشكل أساسي على عاطفة الحب والود والإخلاص، مما يضفي على القصيدة طابعًا إيجابيًا ودافئًا.
4. الإيقاع:
الوزن والقافية: كما ذكرتُ سابقًا، القصيدة من بحر الخفيف، وهي ملتزمة بقافية موحدة، مما يمنحها إيقاعًا موسيقيًا جميلًا.
التكرار: يستخدم الشاعر التكرار لتعزيز الإيقاع وتأكيد المعاني، مثل تكرار كلمة "الشوق" و "يذكر".
5. الأسلوب الخاص للشاعر:
الجمع بين الفصاحة والسهولة: يجمع الشاعر بين فصاحة اللغة وسهولة التعبير، مما يجعل قصيدته قريبة من القلب ومفهومة للجميع.
التركيز على القيم الإنسانية: يركز الشاعر على القيم الإنسانية النبيلة، مثل الحب والود والإخلاص، مما يضفي على قصيدته طابعًا إنسانيًا عميقًا.
استخدام الصور الشعرية بشكل فعال: يستخدم الشاعر الصور الشعرية بشكل فعال لإضفاء جمالية على النص وتوضيح المعاني.
بشكل عام، يتميز أسلوب الشاعر محمد عبد القادر زعرورة في هذه القصيدة بالجمع بين فصاحة اللغة وسهولة التعبير، والتركيز على القيم الإنسانية النبيلة، واستخدام الصور الشعرية بشكل فعال، والعاطفة الصادقة، والإيقاع الموسيقي الجميل.
الاستغراق في الشعر يعني انغماس الشاعر في موضوعه بشكل كامل، بحيث يسيطر هذا الموضوع على مشاعره وأفكاره وتعبيره، وينعكس ذلك على نصه الشعري. يتجلى الاستغراق في قوة العاطفة وصدقها، وفي استخدام الصور الشعرية المعبرة، وفي الإيقاع الموسيقي الذي يتناسب مع الحالة الشعورية.
في قصيدة عبد القادر زعرورة التي حللتها سابقًا، يظهر الاستغراق في عدة جوانب:
الاستغراق في عاطفة الحب والود والشوق: القصيدة مليئة بتعبيرات الحب والود والشوق، وهذا يدل على انغماس الشاعر في هذه المشاعر. نلاحظ ذلك في أبيات مثل:
"يتوق القلب لرؤياكم ويشدُّني الشوق في قلبي للقياكم"
"فإنَّ الذِّكرىَ للأحبابِ شوقٌ واشتياقُ"
"هذا أنا أهواكمُ وأودُّكم بالودِّ وبالشَّوقِ
هذه الأبيات تعكس عاطفة قوية وصادقة، مما يدل على استغراق الشاعر في هذه المشاعر.
الاستغراق في تصوير المحبوبة: يصف الشاعر المحبوبة بصفات جميلة ومعبرة، مما يدل على انغماسه في تصورها وتقديرها. نلاحظ ذلك في أبيات مثل:
"تتفتَّحَ الأزهارُ من بين أناملكم"
"في صدركِ البستانُ وجنَّاتٍ نشرَت للورىَ أزهارَها"
هذه الصور الشعرية تعكس إعجاب الشاعر بالمحبوبة وانغماسه في وصفها.
الاستغراق في التعبير عن أهمية الحب: يركز الشاعر على أهمية الحب في حياة الإنسان، وكيف أنه يحيي القلب ويجعله قويًا. نلاحظ ذلك في أبيات مثل:
"فالحُبُّ يُحيي القلبَ يُشعِلُ نورَهُ، ويجعلُ الإنسان بالحبِّ والودِّ الجميلِ بين الناسِ عملاقا"
هذا التركيز على أهمية الحب يدل على استغراق الشاعر في هذا المعنى وإيمانه به.
الإيقاع الموسيقي: الإيقاع الموسيقي في القصيدة، الناتج عن الوزن والقافية، يساهم في تعزيز حالة الاستغراق. فالإيقاع المتناغم مع العاطفة يزيد من تأثير القصيدة في القارئ.
بشكل عام، يمكن القول أن قصيدة عبد القادر زعرورة تعكس استغراقًا واضحًا في موضوع الحب والود والشوق، ويتجلى ذلك في قوة العاطفة وصدقها، وفي استخدام الصور الشعرية المعبرة، وفي الإيقاع الموسيقي المتناغم مع الحالة الشعورية.
ملاحظات إضافية:
قد يختلف مستوى الاستغراق من بيت إلى آخر في القصيدة، لكن بشكل عام يسيطر الاستغراق في موضوع الحب على القصيدة بشكل كبير.
الاستغراق ليس مجرد تعبير عن عاطفة قوية، بل هو أيضًا انغماس في المعاني والأفكار المتعلقة بهذه العاطفة.
الاستغراق يساهم في جعل القصيدة أكثر تأثيرًا وجمالًا.
تواتر الصور:
الشعرية يعني تكرار استخدام أنواع معينة من الصور الشعرية في القصيدة، مما يعطيها طابعًا مميزًا ويكشف عن رؤية الشاعر وأسلوبه. لتحليل تواتر الصور الشعرية في قصيدة عبد القادر زعرورة، سأقوم بتحديد أبرز أنواع الصور المستخدمة وتكرارها، مع أمثلة من القصيدة:
1. صور حسية حركية: يكثر الشاعر من استخدام الصور التي تعتمد على الحواس، خاصةً البصر والشم، مع إضافة عنصر الحركة. هذا يعطي القصيدة حيوية وتجسيدًا للمعاني. أمثلة:
"تتفتَّحَ الأزهارُ من بين أناملكم": صورة بصرية حركية تجمع بين جمال تفتح الأزهار ورقة الأنامل.
"وفاحَ أريجُ عِطركم عَبِقاً": صورة شمية حركية تصور انتشار رائحة العطر.
"وافردي أشرعةَ الهوىَ من خافقِ": صورة حركية تصور انطلاق مشاعر الحب كأشرعة تُفرد للريح.
هذا النوع من الصور يتواتر في القصيدة، مما يدل على ميل الشاعر إلى تجسيد المعاني وإضفاء حيوية عليها.
2. صور طبيعية: يستخدم الشاعر صورًا مستوحاة من الطبيعة، مثل الأزهار والبستان، ليعبر عن مشاعره وأفكاره. أمثلة:
"وغدا الربيعُ في ساحاتكم ضَحَّاكُ": صورة طبيعية تربط بين الربيع والفرح.
"في صدركِ البستانُ وجنَّاتٍ نشرَت للورىَ أزهارَها": صورة طبيعية تصور صدر المحبوبة كبستان مليء بالأزهار.
تكرار هذه الصور يدل على تأثر الشاعر بالطبيعة واستخدامه لها كرمز للتعبير عن الجمال والمشاعر.
3. صور تجريدية: يستخدم الشاعر صورًا تجريدية تعبر عن معاني الحب والود والشوق بطريقة غير مباشرة. أمثلة:
"ويجعلُ رايةً الأحبابِ خَفَّاقةً": صورة تجريدية تصور الحب كراية ترفرف.
"فالحُبُّ يُحيي القلبَ يُشعِلُ نورَهُ": صورة تجريدية تصور الحب كقوة تُحيي القلب وتُضيئه.
هذا النوع من الصور يعكس قدرة الشاعر على التعبير عن المعاني المجردة بطريقة فنية.
4. صور مرتبطة بالقلب والمشاعر: يركز الشاعر على تصوير القلب والمشاعر المرتبطة به، مثل الشوق والود والحب. أمثلة:
"يتوق القلب لرؤياكم"
"الشوق في قلبي للقياكم"
"فالحُبُّ يُحيي القلبَ"
تواتر هذه الصور يدل على تركيز الشاعر على الجانب العاطفي في القصيدة.
تحليل تواتر الصور:
من خلال تحليلي الصور الشعرية في القصيدة، يظهر أن الشاعر يميل إلى استخدام الصور الحسية الحركية والطبيعية بشكل كبير، مع استخدام معتدل للصور التجريدية والمرتبطة بالقلب والمشاعر. هذا يعطي القصيدة طابعًا حيويًا وجماليًا، ويعكس تأثر الشاعر بالطبيعة وقدرته على تجسيد المعاني.
تأثير تواتر الصور:
إضفاء حيوية وجمالية على النص: تساهم الصور الشعرية في جعل النص أكثر جاذبية وتأثيرًا في القارئ.
توضيح المعاني وتجسيدها: تساعد الصور الشعرية على فهم المعاني المجردة وتجسيدها بطريقة محسوسة.
الكشف عن رؤية الشاعر وأسلوبه: يعكس تواتر أنواع معينة من الصور الشعرية رؤية الشاعر للعالم وأسلوبه في التعبير.
خلق وحدة عضوية في القصيدة: تساهم الصور الشعرية في ربط أجزاء القصيدة ببعضها البعض وخلق وحدة عضوية متكاملة.
بشكل عام، تواتر الصور الشعرية في قصيدة عبد القادر زعرورة يساهم في إثراء النص وجعله أكثر تأثيرًا وجمالًا، ويكشف عن رؤية الشاعر وأسلوبه المتميز.
الحديث عن "عناصر القراءة الفلسفية"
في قصيدة شعرية، فإننا نتجاوز التحليل اللغوي والبلاغي المباشر، ونتعمق في البحث عن الأفكار والرؤى التي تتناول قضايا إنسانية أو وجودية أو معرفية بشكل ضمني أو صريح. في قصيدة عبد القادر زعرورة ، يمكن استخلاص بعض العناصر التي تفتح الباب لقراءة فلسفية، وإن لم تكن القصيدة ذات طابع فلسفي صريح بالمعنى الأكاديمي:
قيمة الحب وأثره الوجودي: تتناول القصيدة الحب كقوة محركة في حياة الإنسان، وكعامل يحيي القلب ويضيء دربه. هذا الطرح يلامس قضايا فلسفية تتعلق بمعنى الوجود الإنساني، وقيمة العواطف في تشكيل هذا الوجود. يمكن ربط هذا المفهوم بأفكار فلسفية تناولت الحب كقوة سامية، كما في بعض جوانب الفلسفة الرومانسية أو الروحانية.
مثال: "فالحُبُّ يُحيي القلبَ يُشعِلُ نورَهُ، ويجعلُ الإنسان بالحبِّ والودِّ الجميلِ بين الناسِ عملاقا" - هذا البيت يتجاوز الوصف العاطفي المباشر ليطرح الحب كقوة تغييرية في الإنسان.
ثنائية الذاكرة والنسيان: تطرح القصيدة فكرة الذاكرة كحافز للشوق والاشتياق بين الأحباب، مقابل النسيان الذي يمثل نقيض هذه العلاقة. هذه الثنائية تفتح نقاشًا فلسفيًا حول طبيعة الزمن، وأثر الماضي في الحاضر، ودور الذاكرة في تشكيل الهوية والعلاقات الإنسانية.
مثال: "فإنَّ الذِّكرىَ للأحبابِ شوقٌ واشتياقُ" - هذا البيت يلخص العلاقة الجدلية بين الذاكرة والشوق.
قيمة التواصل الإنساني: تؤكد القصيدة على أهمية التواصل والتعبير عن المشاعر بين الناس، كطريقة لتعزيز الود والإخلاص. هذا يلامس قضايا فلسفية تتعلق بطبيعة العلاقات الإنسانية، وأهمية الحوار والتفاهم في بناء مجتمع إنساني سليم.
مثال: "وتعبيرٌ عن الأشواق يسعدُني ويُسعدكم" - هذا البيت يشير إلى قيمة التعبير عن المشاعر في تحقيق السعادة المتبادلة.
مفهوم الكمال الإنساني: يشير الشاعر إلى أن الحب والود يجعلان الإنسان "عملاقا"، وهذا يطرح تساؤلًا فلسفيًا حول مفهوم الكمال الإنساني، وما إذا كان مرتبطًا بالعواطف والعلاقات الإنسانية.
مثال: "ويجعلُ الإنسان بالحبِّ والودِّ الجميلِ بين الناسِ عملاقا" - هذا البيت يربط بين الحب والكمال الإنساني.
ملاحظات مهمة:
القراءة الفلسفية هنا هي قراءة تأويلية، تعتمد على استخلاص أفكار ضمنية من النص، وليست قراءة تحليلية لنظرية فلسفية محددة.
لا يمكن اعتبار القصيدة نصًا فلسفيًا بالمعنى الاصطلاحي، ولكنها تفتح الباب لتأملات فلسفية حول بعض القضايا الإنسانية.
عمق القراءة الفلسفية يعتمد على الخلفية المعرفية للقارئ وقدرته على الربط بين النص وأفكار فلسفية أخرى.
باختصار، يمكن القول أن قصيدة عبد القادر زعرورة، رغم طابعها العاطفي، تحمل بعض العناصر التي تتيح قراءتها من منظور فلسفي، من خلال تأملها في قضايا الحب والذاكرة والتواصل والكمال الإنساني.
عند الحديث عن( "توقف الزمن" )في الشعر، فإننا لا نتحدث عن توقف حقيقي للوقت، بل عن خلق حالة شعورية أو فنية توحي بذلك. هذه الحالة قد تنتج عن:
وصف لحظة عاطفية مكثفة: بحيث يركز الشاعر على لحظة معينة من الفرح أو الحزن أو الشوق، ويصفها بتفصيل دقيق، وكأن الزمن يتوقف عندها.
استخدام صور شعرية تجريدية: بحيث يتجاوز الشاعر الزمن الخطي الواقعي، ويعبر عن أفكار أو مشاعر مجردة لا تخضع لقوانين الزمن.
تكرار بعض الكلمات أو العبارات: بحيث يخلق هذا التكرار إحساسًا بالثبات والاستمرار، وكأن الزمن يدور في حلقة مفرغة.
في قصيدة عبد القادر زعرورة، يمكن ملاحظة بعض اللحظات التي توحي بتوقف الزمن، وإن لم تكن توقفًا تامًا، بل هي أقرب إلى "إبطاء الزمن" أو "تكثيف اللحظة":
لحظة وصف المحبوبة: عندما يصف الشاعر المحبوبة وجمالها، فإنه يركز على هذه اللحظة وكأنها خارجة عن سياق الزمن العادي.
مثال: "تتفتَّحَ الأزهارُ من بين أناملكم" - هذه الصورة توحي برقة اللحظة وجمالها، وكأن الزمن يتوقف ليسمح لنا بالتأمل فيها.
مثال: "في صدركِ البستانُ وجنَّاتٍ نشرَت للورىَ أزهارَها" - هذه الصورة أيضًا تخلق حالة من الجمال الثابت، وكأن صدر المحبوبة هو بستان أبدي لا يتغير.
لحظة وصف الشوق والاشتياق: عندما يتحدث الشاعر عن الشوق والاشتياق، فإنه يركز على هذه المشاعر وكأنها حالة دائمة لا تتغير.
مثال: "فإنَّ الذِّكرىَ للأحبابِ شوقٌ واشتياقُ" - هذا البيت يوحي بأن الذاكرة تحافظ على الشوق والاشتياق كحالة مستمرة.
مثال: "هذا أنا أهواكمُ وأودُّكم بالودِّ وبالشَّوقِ العظيمِ" - هنا يؤكد الشاعر على استمرار حبه وشوقه.
لحظة وصف قوة الحب: عندما يصف الشاعر قوة الحب وأثره في الإنسان، فإنه يتجاوز الزمن العادي ويركز على قوة الحب الخالدة.
مثال: "فالحُبُّ يُحيي القلبَ يُشعِلُ نورَهُ، ويجعلُ الإنسان بالحبِّ والودِّ الجميلِ بين الناسِ عملاقا" - هنا يصف الحب كقوة أبدية تُحيي القلب وتُغير الإنسان.
كيف يخلق الشاعر إحساس توقف الزمن؟
التشبيهات والاستعارات: يستخدم الشاعر صورًا شعرية قوية تجسد المعاني وتجعلها حاضرة أمام القارئ، وكأنها لحظة ثابتة.
التكرار: يكرر الشاعر بعض الكلمات أو العبارات، مما يخلق إحساسًا بالثبات والاستمرار.
التركيز على اللحظة العاطفية: يركز الشاعر على وصف اللحظة العاطفية بتفصيل دقيق، مما يجعلها تبدو وكأنها خارجة عن سياق الزمن العادي.
ملاحظات:
توقف الزمن في الشعر هو إحساس فني وشعوري، وليس توقفًا حقيقيًا للوقت.
يساهم توقف الزمن في تكثيف المعنى وتأثيره في القارئ.
يختلف استخدام هذه التقنية من شاعر لآخر.
في قصيدة عبد القادر زعرورة، يظهر توقف الزمن بشكل أساسي من خلال وصف اللحظات العاطفية المكثفة، واستخدام الصور الشعرية التي تجسد هذه اللحظات وتجعلها حاضرة أمام القارئ. هذا يساهم في تعزيز تأثير القصيدة وجعلها أكثر جمالًا وتأثيرًا.
عند الحديث عن "الاسترسال" و"الاسترجاع" في الأدب:
فإننا نتناول آليتين سرديتين أو شعريتين تتعلقان بتدفق الأفكار والمعاني داخل النص.
الاسترسال: يعني تدفق الأفكار والمعاني بشكل حر ومنطلق، دون تقيد كبير بترتيب منطقي صارم أو تسلسل زمني محدد. قد ينتقل الشاعر أو الكاتب من فكرة إلى أخرى بشكل انسيابي أو تداعي، معتمدًا على الروابط العاطفية أو المعنوية بين الأفكار.
الاسترجاع (أو الارتداد): يعني قطع التسلسل الزمني للأحداث أو الأفكار، والعودة إلى الماضي لتذكر حدث أو فكرة سابقة، ثم العودة مرة أخرى إلى الحاضر أو التسلسل الأصلي.
في قصيدة عبد القادر زعرورة
يمكن ملاحظة بعض مظاهر الاسترسال، بينما لا يظهر الاسترجاع بشكل واضح:
الاسترسال:
يمكن ملاحظة الاسترسال في انتقال الشاعر بين الأفكار والمشاعر بشكل انسيابي، مع التركيز على الجانب العاطفي. على سبيل المثال:
يبدأ الشاعر بوصف تفتح الأزهار وجمال الربيع، ثم ينتقل إلى وصف أريج العطر والشوق إلى رؤية المحبوبة. هذا الانتقال يعتمد على الرابطة العاطفية بين جمال الطبيعة وجمال المحبوبة، وبين العطر والشوق.
بعد ذلك، ينتقل الشاعر للحديث عن الصدق والمودة والإخلاص بين الناس، ثم يعود مرة أخرى للحديث عن الذكرى والشوق بين الأحباب. هذا الانتقال يعتمد على الرابطة المعنوية بين الحب والإخلاص والذكرى.
ثم يتحدث عن قوة الحب وأثره في الإنسان، ثم يعود مرة أخرى لوصف المحبوبة وجمالها. هذا الانتقال يعتمد على الرابطة العاطفية بين الحب والمحبوبة.
هذه الانتقالات بين الأفكار لا تتبع ترتيبًا منطقيًا صارمًا، بل تعتمد على التدفق العاطفي للمعاني، وهذا ما يميز الاسترسال.
غياب الاسترجاع:
لا يظهر في القصيدة استرجاع واضح بالمعنى الاصطلاحي، أي لا يعود الشاعر إلى الماضي ليذكر حدثًا أو فكرة سابقة بشكل منفصل عن سياق الحديث الحالي. فالقصيدة تسير في خط تصاعدي من وصف المشاعر والأحاسيس، دون انقطاع في التسلسل الزمني أو الموضوعي.
لماذا يكثر الاسترسال ويقل الاسترجاع في هذه القصيدة؟
الطابع العاطفي للقصيدة: القصيدة ذات طابع عاطفي قوي، وتركز على التعبير عن المشاعر والأحاسيس. في مثل هذه القصائد، يكون الاسترسال أكثر ملاءمة للتعبير عن تدفق المشاعر وانسيابها.
وحدة الموضوع: القصيدة تدور حول موضوع واحد رئيسي هو الحب والود والشوق. هذا التركيز على موضوع واحد يقلل من الحاجة إلى الاسترجاع، حيث لا يوجد حاجة للعودة إلى أحداث أو أفكار سابقة بعيدة عن هذا الموضوع.
بنية القصيدة: القصيدة مبنية على شكل سلسلة من الأفكار والمشاعر المتصلة، وليست مبنية على سرد قصة أو حدث معين يتطلب استخدام الاسترجاع.
بشكل عام، يمكن القول أن قصيدة عبد القادر زعرورة تتميز بوجود الاسترسال في تدفق الأفكار والمعاني، بينما لا يظهر الاسترجاع بشكل واضح. هذا يتناسب مع الطابع العاطفي للقصيدة ووحدة موضوعها وبنيتها.
عند الحديث عن "ضلوع الفكرة" و"ربط القدرة":
في النقد الأدبي، فإننا نتناول مدى عمق الفكرة المطروحة في النص، ومدى قدرة الشاعر أو الكاتب على تجسيد هذه الفكرة وإيصالها بفاعلية إلى المتلقي.
ضلوع الفكرة: يشير إلى عمق الفكرة وجدتها وأصالتها، ومدى مساهمتها في إثراء المعنى العام للنص. قد تكون الفكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل أبعادًا عميقة قابلة للتأويل والتفسير.
ربط القدرة: يشير إلى قدرة الشاعر أو الكاتب على التعبير عن الفكرة بأسلوب فني مؤثر، باستخدام اللغة والصور الشعرية والمحسنات البديعية بشكل فعال.
في قصيدة عبد القادر زعرورة، يمكن تحليل "ضلوع الفكرة" و"ربط القدرة" على النحو التالي:
ضلوع الفكرة:
الفكرة الرئيسية في القصيدة تدور حول الحب والود والشوق والإخلاص، وهي أفكار إنسانية نبيلة وشائعة في الشعر العربي. لكن ما يمنح هذه الأفكار "ضلوعًا" في هذه القصيدة هو:
التركيز على الجانب الوجودي للحب: لا يقتصر الشاعر على وصف المشاعر العاطفية السطحية، بل يتناول الحب كقوة تُحيي القلب وتُغير الإنسان وتجعله "عملاقا". هذا البعد الوجودي يمنح الفكرة عمقًا إضافيًا.
الربط بين الحب والذاكرة: يربط الشاعر بين الحب والذاكرة، مؤكدًا على أن الذكرى هي وقود الشوق والاشتياق. هذا الربط يضيف بعدًا زمنيًا للفكرة، ويجعلها أكثر تعقيدًا.
التأكيد على قيمة التواصل الإنساني: يشدد الشاعر على أهمية التعبير عن المشاعر والتواصل بين الأحباب، كطريقة لتعزيز الود والإخلاص. هذا البعد الاجتماعي يمنح الفكرة بعدًا إنسانيًا أوسع.
ربط القدرة:
يظهر "ربط القدرة" في القصيدة من خلال:
استخدام لغة فصيحة ومعبرة: يستخدم الشاعر لغة عربية فصيحة قوية، مع اختيار ألفاظ دقيقة ومعبرة، مما يساهم في إيصال الفكرة بوضوح وفاعلية.
استخدام صور شعرية مؤثرة: يستخدم الشاعر صورًا شعرية جميلة ومؤثرة، تجسد المعاني وتجعلها حاضرة أمام القارئ. على سبيل المثال، تشبيه صدر المحبوبة بالبستان، وتشبيه انطلاق مشاعر الحب بإفراد الأشرعة.
الإيقاع الموسيقي الجميل: يساهم الإيقاع الموسيقي الناتج عن الوزن والقافية في تعزيز تأثير القصيدة وجعلها أكثر جاذبية.
صدق العاطفة: تعبر القصيدة عن عاطفة صادقة وقوية، مما يجعلها مؤثرة في القارئ ويجعله يتفاعل مع الفكرة المطروحة.
الخلاصة:
يمكن القول أن قصيدة عبد القادر زعرورة تتميز بوجود "ضلوع" للفكرة، حيث تتناول أفكارًا إنسانية نبيلة بعمق وبعد وجودي واجتماعي. كما يظهر فيها "ربط القدرة" من خلال استخدام لغة فصيحة وصور شعرية مؤثرة وإيقاع موسيقي جميل وصدق العاطفة. هذا التزاوج بين عمق الفكرة وقوة التعبير يمنح القصيدة قيمة فنية وجمالية عالية، ويجعلها قادرة على التأثير في المتلقي وإيصال الفكرة إليه بفاعلية.
باختصار، يمكن تلخيص العلاقة بين "ضلوع الفكرة" و"ربط القدرة" في هذه القصيدة كما يلي: الفكرة المطروحة في القصيدة عميقة وذات أبعاد متعددة، والشاعر يمتلك القدرة الفنية على التعبير عن هذه الفكرة بأسلوب مؤثر وجميل. هذا التوازن بين عمق الفكرة وقوة التعبير هو ما يميز هذه القصيدة ويجعلها قادرة على البقاء في ذاكرة القارئ.
القراءة النقدية الموسعة
بقلم الشاعر والناقد الاردني
د محمد سليط
أشراف الشاعرة المصرية
أيمان محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق