الثلاثاء، 7 يناير 2025

♕ في مأوىٰ العنكبُوت ♕ بقلم الكاتب : فتحي فايز الخريشا

 . * في مأوىٰ العنكبُوت *

منذ أنْ أتيت إلى هذا العالم وأنا أكافح ..

أكافح لأجل أنْ أكحل عيون حبيبتي بالحريَّةِ والسَّلام ..

حاملا جراحَ المُستضعفِين أمام وجهِ الشمسِ ..

دموع أطفال مدائِنِ البلادِ المسلوبة والمصلوبة على أرصفةِ الٱستِعبادِ والحرمان ..

وما لأنت لي قناة لٱنهِزَام ..

ما خبت إرادة فؤادي الوَّهاج بالضِّياءِ ..

واليوم ..

اليوم يا أخي يَتأرجح رأسِي ليعلق على رمحِ الأشرارِ الأوغاد ..

يد الظّلماءِ تمتد لقلبي لينتزع لمحرقةِ الفتَّانِ اللَّعِين ..

وأنت تفرح كما المخبُولُ إذ أدخلت الأفاعي إلى دمِّك تفحُّ زاعفَ السُّمُومِ ..

مبتهجًا أنك من عبيدِ معابدِ الظّلماتِ ..

عبدا مملوكا ألقيت عليك أصفاد أخيلة زيفِ الأمنيات ..

تباع وتشترىٰ بثمنٍ بخسٍ صنو عبيد قلعةٍ وأتباع هرمٍ .. 

سيّ عبيد قبائِلِ ما ٱرتفع من جبلٍ وٱمتدت من صحراءٍ ..

مقيّدًا إلى جذع نخلة يأمرك لصوصُ الأحياءِ ..

تساق هدية لمذبح ألهةِ الدُّونِيَّة والحربِ والشَّرِّ ..

فإذا الجحيم مأواك ومفترشكَ على جمراتِ الشقاء ..

فلا تماري وفي حنجرتِك علقم الحنظل ..

حياتك بين المطرقةِ والسَّندانِ رهن شاراتٍ جرباءٍ ..

هُمُ الغزاةُ المقنعُون الجُدد ..

كسروا السَّيف في قبضتي وٱستلبُوا البوصلة وأطفأوا القلم ..

دمروا المحراث .. 

أحرقوا الزَّرع .. 

طمروا عيون الماءِ .. 

سكبُوا حِبرَ محبرتِي على ما بين يدي من ورقٍ ..

أخمدوا كلَّ القناديلِ والمشاعل التي أوقدت من كدحِ السِّنِين لعالي التنوير ..

اِبْتزُّوا نهبًا خبزنا كي لا نأكل ويَأكل منهُ الجائِعُون ..

نشروا الرُّعبَ غربانً تنعقُ فوق الرُّؤوسِ بالخوفِ والخرابِ .. 

أوهمونا أنّ الحقَّ باطلٌ ومبَادئَ الخيرِ سخيفةٌ لا تقوىٰ على حلكةٍ من دوامسِ ظلامٍ ..

أنّ أعمالَ مجدِ المحبَّةِ وأنوارِ الجمالِ المنقوشة على صخورِ الأرض ٱبتلعتها الترباءُ ..

أنَّ نفسًا وما سواها تفتقت من جرائمٍ آثمةٍ غذَّتها مناقعُ الأوهام ..

أنَّ اللَّعنة على البشر كلهم قرابين لمائِدةِ الشيطان ..

أنَّ الحريَّة والعدلَ والسَّلامَ أقانيم مستحيلة لبين يدي الإنسان ..

فٱلتفّ الضَّبابُ حول أنوارِ مصباحي المُحاصر بدامسِ الغيهبَان ..

لكأنما صَارَ الحطبُ كلَّهُ في موقدي لرمادٍ ما لهُ من جمرةٍ لٱشتِعالٍ ..

يا لٱنْسِحاقِي كمَا الدّقِيق لِمَهبّ ذارِيَّةِ الرِّيح .. 

يا لغربتِي على شاطئِ الأحلامِ .. 

يا لضَيَاعِي في متاهاتِ وطنٍ وأوطانٍ ..

كنت لا أهاب أنْ أخوض اليمّ عاريًا من الأشرعةِ والمجاديفِ ..

واليوم لا أفرح بميلادي السعيد .. 

لا ولا أملك المسير على ما أختار من دربٍ دون مهاوي أحافيرٍ وجنون عصفٍ .. 

لكأنَّ مثواي ما أجتهدت لٱرتِفاعٍ لحفرةِ الٱنهِزامِ ..

لكأن لا وجهة لي إلَّا إلى الصَّمتِ والهزيمَةِ إلى اللاٱنتِماءِ .. 

لكأنَّ ميعادي لسَعِيرِ نيرانِ الٱنكِسَارِ .. 

أكُلُّ الرَّايات منكسة على حذاءِ حكُومَةِ الخفاءِ ..

قد مرّت فوق جسدي سنابك خيل الغاشمِين ..

هدّمت السَّواقِي على ضفةِ النَّهْرِ ..

تركت أشلاءَ أهلِ بيتي بلا أكفانٍ تفوح منها رائحة تخثر الدَّمِ وحرائِقِ البَارودِ ..

وها أنا وإيَّاك يا أخي يا شيخ القبيلة أرقام عبيدٍ مرتزقةٍ في خدعةِ ألاعِيبِ الظَّلمِ وملهاةِ الطُّغيَانِ .. 

ها أنا وأنت عريان لأنكلِ التعذيب لأقسىٰ الموتِ ..

فلا تماري قد أحرقتَ قلبَك على عتبةِ مذبحِ التعصُّبِ لحوشةِ الخرَّاصِ ..

أنفاسُك شهقات مُشرعة لٱستِنشَاق بَخُورِ التارِيخِ الأسودِ المزورِ من نفحاتِ معارفِ الدَّجَال .. 

تنكرتَ لكُلِّ أثرٍ جميلٍ على دربِ الإنسَانِيَّةٍ يُحيي الأرواح زُهرًا للحيَاةِ والنور ..

أحرقتَ سنابلَ القمحِ في حقلي وقلبت أثلام البذار لجارف الفيضان ..

تنكرتَ لكلّ أناشيد عشق الوطنِ والإنسَانِ ..

لكلِّ أغانِي المتعبين على أرصفةِ الجوعِ ..

غيّبت عقلك عن أبلج الحقِّ .. 

ضميرك عن ساطعِ النورِ ..

تطبعت ٱمتثالا للسُّجُودِ على أعتابِ صناع مراكز النفوذ ..

الجلوس مزهوا بلا عاقلةٍ حول موائِدِ النهمِ والمجُون ..

أشرعتُ فؤادك لتمني بعضًا من مُلكٍ أجوفٍ وزيفِ مشاركةِ سلطةٍ هي لأنياب أشرارٍ باعوا أرواحهُم للخبيث السَّجان ..

صرت تلهث وراء كلابٍ مسعورةٍ تدلك على المسير .. 

وراء ذئاب تنهش لحمك مع كلِّ سطوةٍ على الآخرين ..

وراء ضِبَاعٍ لا ترىٰ إلَّا أخيلتها في الظّلامِ بأحقادٍ مروعةٍ على الجميع ..

وراء أمواج بلا شواطئ ..

صرت تحفر معهُم قبرَك في الظلامِ ..

تردم التراب فوق جسدِك المثقل بالنياشِين وبالأوباءِ ..

تستحضر الويل والخراب من عينِ دائِرةِ الشَّرِّ ..

تهدم الأسوار وتشعل نيران مكائد الفتن لأسوأ الدَّمار ..

تعزي نفسك برموزٍ بائسةٍ وأفكارٍ مُخاتِلةٍ من غرورٍ تسلطٍ أحمق ..

أسماء ومعتقدات ٱبتدِعت من خيالٍ مريضٍ ومن أساطيرِ الغباءِ ..

هي مجلبةٌ لنار الحريقِ على أجنحةِ رِيحِ التبابِ ..

مجلبة لليباب .. 

زيف ٱختِيار ولا من أجنحةٍ لحقيقةِ اِنْعِتاق ..

سحقاً لك من وزير قومٍ ومن منافق جبان ..

فصهٍ للرِّيحِ إذ تصفر والبحر إذ يهدر والسَّمَاء إذ تزمجر ..

كيف أقص أجنحتي لزحافةٍ وراء السَّرابِ ..

كيف أدسُّ في طعامِي السُّمَّ الزّعاف ..

كيف أنصب لذاتي مكائِد الشّراك ..

كيف أطعن صدري بخنجَرِ عدُوٍّ ذمِيمٍ يريد لكلِّ أشيائِي الهلاك ..

عدُوٌّ جنَّدَ السُّلطات لقهر الشعوب كلها لقيودِ الاِستِرقاق ..

كيف أسمح أنْ تطوقني أدخنةُ الحصارِ ..

للمشقَّةِ تأكل روحي كمَا القش في حوطةِ النار ..

كيف لي أنْ أحارب النوارس ورياح الشتاءِ ..

أقطع أوتارَ القلبِ بمخالِبِ أخادِيعِ مراقِي الدَّرجَات ..

أنحر المحبَّة على مذبحِ الكراهيّةِ وأفتخر بمعانقة الحيف والأحقاد ..

كيف أتركُ المطامِح والأماني والشهوات تمرغني في وَحل الثعابين ..

كيف أسيَّرُ نفسِي جزارًا وأضحية وبيدِي بخنجر الشرير اللئِيم صدري أشقُّ لأسَاكِيب السُّمُوم ..

سحقا لكُلِّ من باع نفسَهُ لنخاسِي عُبُودة السُّلطةِ والمال ..

والويل لأينٍ من ذاتٍ مُتهالكةٍ لهَاوِيَةِ الرَّقِيقِ ما كان قدَّامها من إغراء ..

اليوم مصلوب يا أنت يا ٱبن العمِّ في زاويا التعفنِ بأصفدةِ أخسِ العبيدِ ..

مربوط فوق صفيحٍ من ذهبٍ بلفائِفِ أفعوانٍ .. 

روحك لهُ غذاء ..  

وتقتات خلايَا دمِّ مهجتِكَ بعالِكةِ طاحُونتِك مِنْ ذُعافِ تبعيَّتِكَ المُتفورةُ بأرمِدةِ اللَّعناتِ ..

تتمرغ على بِسَاطِ بهرجٍ زائِفٍ زائِلٍ على منزلقِكَ المُخاتِلِ ليس لك من آنٍ .. 

قإيهٍ مزق أرواحِ أنفسٍ يَتخطفها الظلامُ ..

ومزق أرواح أنفُسٍ على أرصفةِ مدنِ النسيَانِ ..

فهل للشمسِ أنْ تشرق من جديدٍ رغم كثيفِ سوادِ الدُّخانِ ..

للنبَاتِ البرِيِّ أنْ يشقّ الصَّخر متحديًّا شقوة الحيَاةِ لطوبَاءِ الحياة ..

متمردٌ أنا يا أخي المُقيد بالوُهُومِ إيةٍ وثائرٌ على الجور والعدوان .. 

متمردٌ على أسيادِ الشَّرِّ والتضلِيلِ ..

متمرد لأجل المُستضعفين .. 

لأجل السَّاجدِين على بُسُط القهر والأوهام .. 

لأجل مجابهة الأشرار الجاثمِين لطاعة الشرير ..

أبدا أسيرُ على دربِ الكفاحِ الذَّكِي الأمِين .. 

أبدا لن تسقط إرادتي على مذبح السُّخُرِيَّةِ والعجزِ والٱسْتِلاب ..

لأجل أنْ أحيا إنسانا في هذهِ الرِّحلة التي أحياها بالصِّدق ..  

لأجل أنْ أكحّل عيون حبيبتي بالنورِ الذي لا يحيطهُ ظلام ..

لأجل أن أعانق الحياة بالحريَّة التي ليس فيها اِستِعبَاد .. 

لأجل أنْ أطوق المحبَّة بأجنحةِ السَّلام ..

متمرد أنا على الٱستِبْدادِ والحرمانِ والظّلمِ .. 

فلا لن أسير في ركابِ جندِ الظلامِ والطَّاغُوت ..  

لا لن أقيم في مأوىٰ العنكبُوت .. 

فمقامي ومقامُ كلِّ حرٍّ نبيلٍ فضَاءَات كلّ عُلوِ علياءٍ .. . 

           من ديوان ( في ظلال الشمس ) لمؤلفه :

                  المهندس فتحي فايز الخريشا 

                                ( آدم )



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ مقالة بعنوان .. هُوَ ٱلْإِنْسَانُ ٱلْكَامِلُ ٱلْأَسْمَىٰ * الكَامِلُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ ♕ بقلم الكاتب : أبو أكبر فتحي الخريشا

 * الكَامِلُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ  *                   هُوَ ٱلْإِنْسَانُ ٱلْكَامِلُ ٱلْأَسْمَىٰ  أولياءٌ ومَا يَعُونَ الآخرِينَ وأكثرهُم...