عشق الفن
---
العنوان: "فاتن.. من البصارطة إلى الأضواء"
بقلم: الأديبة المصرية هدي شوكت
لم تكن البنت التي خرجت من "البصارطة" تحمل حلمًا عاديًا. لم تضع كتب الطب جانبًا إلا لتضع قلبها على المسرح. كانت تقف على خشبة الحياة مرتدية معطف الأطباء، وفي عينيها وهج الكاميرات.
في قريتها الصغيرة، البصارطة، حيث البيوت متلاصقة كالأحلام، نشأت "فاتن سعيد" وسط أهل يعرفون البساطة، ويتقنون العطاء. فتاة من طين هذا الوطن، لا تحمل تكلف المدينة، لكن فيها من الذكاء ما يكفي لتقود مستقبلها بنفسها.
دخلت كلية الطب، ففرح الأهل، وزُفت البشارة في شوارع القرية كما تُزف العروس. لكن في قلبها شيء آخر يُناديها، شيء لم تستطع أن تطفئه بالمذاكرة ولا بمحاضرات التشريح. كان الفن يسكنها، لا كتسلية، بل كنداء مقدس.
أدهشتها القاهرة، لا لأنها مدينة الأضواء فقط، بل لأنها مدينة المتاهات. ضاعت فيها قليلاً، لكنها لم تنكسر. ارتبكت في الزحام، لكنها عرفت كيف تصنع لنفسها ملامح وسط وجوه لا تعرفها.
حين وقفت أمام الكاميرا للمرة الأولى، لم تتردد، كانت كمن عاد إلى وطنه الحقيقي. مثلت بصدق، ببساطة أهل الريف، وبعزيمة من شبّت على الجد والاجتهاد. لم تتبرأ من أصولها، بل حملت الريف معها في لهجتها، في طيبتها، في لمعة عينيها.
قالتها ببساطة: "أنا من أرياف دمياط". فقامت الدنيا ولم تقعد!
ونسوا أن "الريف" ليس سُبة، بل وسام.
ونسوا أن البنت لم تُهِن أحدًا، بل افتخرت بجذورها، بما فيها من طينٍ وضياء، من خُلق وحياء.
وفي البصارطة، هناك أمهات يُجدن تربية البنات كما يُجدن تطريز الفرح في عيونهن. وهناك فتيات يعرفن معنى الطموح، دون أن ينسين طعم الخبز الطازج من فرن الطين.
فاتن لم تترك الطب استهتارًا، بل اختارت طريقًا تعرف أنه أصعب، وأقسى، لكنه يليق بها. الفن حين يُؤخذ بجدية، لا يقل نُبلًا عن أي مهنة.
وها هي، بشعرها المنسدل على كتفيها كالحكايات، بصوتها الذي يحمل نعومة النيل وقوة النوارس، تشق طريقها نحو المجد، دون أن تتخلى عن قريتها، ولا عن فستان قروي تحبه، ولا عن لهجة أمها.
لعلنا يومًا نتعلم أن الفتاة التي تأتي من الريف، تحمل في حقيبتها أكثر من مجرد أمل... تحمل تاريخًا من النضج، ومن الكبرياء الريفي الذي لا ينحني.
---
بقلم الادبية المصرية
هدي شوكت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق