الأحد، 9 نوفمبر 2025

♕ لماذا رجعتِ ♕ بقلم الشاعر : الزقاق العتيق

 لماذا رجعتِ؟

‏بعد أن صار الغياب بحراً بيننا،

‏وبات الوداع شجرةً يابسة في فناء الذاكرة.

‏أتراك عدتِ لتستعيد شيئاً مما تركته؟

‏أم أنكِ جئتِ لأنكِ أخيراً أدركتِ

‏أن بعض العودة أعمق من المغادرة؟

‏صورتكِ لا تزال معلقةً هناك..

‏لم يجرؤ الغبار على الاقتراب منها،

‏وكأن روحكِ تحرسها من النسيان.

‏وعطركِ لا يزال يرقص على ضفاف قلبي،

‏كأن الرياح تعلم ألا تمسح آثاركِ.

‏أما عيناي.. فلا تزالان تبحثان عن ملامحكِ

‏في كل ظل، وفي كل بصمة ضوء.

‏لا تسألني عن الحنين..

‏فهو لم يمت، بل صار نبضاً صامتاً

‏يتردد في الأماكن التي أحببتكِ فيها.

‏والعمر الذي مضى لن يعود،

‏لكن عودتكِ قد تعيد إلى قلبي سؤالاً:

‏ماذا لو كانت النهايات مجرد بدائل مؤقتة

‏للقصص التي تستحق أن تُكتب من جديد؟

‏.........................................

‏رجعتِ..

‏فلا تجعل عودتكِ غيمة بلا مطر،

‏ولا ذاكرة بلا مستقبل

‏السطر الاول لأن الغياب، مهما اتسع، بحرٌ وهمي

‏صنعته أيادٍ من ظنونٍ ونسيان.

‏ولأن الوداع، حتى وهو شجرةٌ يابسة،

‏تبقى جذوره حيةً تحت ثرى الأزمان.

‏لم آتِ لأستعيد شيئاً.. فكل ما تركته

‏صار جزءاً مني، كالنبض في الجسد.

‏جئت لأنني أخيراً فهمت

‏أن "البحر" بيننا كان مرآةً لهدوئي المجهد.

‏جئت لأن "الغبار" الذي لم يجرؤ على لمس صورتك

‏كان يهمس لي كل ليلة: "إن الذي يحرسها هو الحب، لا النسيان".

‏ولأن "الرياح" التي تعهدت بعدم مسّ آثار عطرك

‏صارت تحمل أنفاسي إليك في كل مكان.

‏الحنين لم يكن نبضاً صامتاً فحسب،

‏بل كان بلغةً جديدةً تتعلمها الشفتان.

‏تعلمت فيها أن النهايات ليست سوى محطات

‏تُعيد ترتيب الحروف.. لتبدأ القصة من عنوانها الثاني.

‏عودتي ليست غيمة بلا مطر،

‏بل هي جرأة المطر الذي يعود إلى أرضٍ ظنها جافة.

‏هي محاولةٌ لنسج ذاكرةٍ جديدة

‏من خيوط الضوء التي بقيت بين جفنيك وقلبي الواقف على أطراف أصابعه.

‏هذه الكلمات..

‏هي قاربٌ أعبر به بحركِ الوهمي،

‏حاملاً ورقةً بيضاء،

‏ومرساة أمل.

‏فهل تسمح لنا بأن نكتب عليها، من جديد،

‏أول سطر من فصلنا الثاني؟

‏الفصل الثاني.  

‏"أعرف أن الخريف مرّ من هنا، لكنني جئت لأزرع ربيعاً في ثنايا الصمت الذي تركناه."

‏السطر الثاني:

‏"ليس ربيعاً من أزهارٍ تذبل، بل من فهمٍ جديد..

‏حيث الورقة التي سقطت من شجرة الوداع القديمة،

‏صارت ورقةً بيضاءَ نكتب عليها قواعد حبٍ لم يجربها الزمن بعد."

‏السطر الثالث:

‏"لن أعدك بأنني سأنسى أن الغياب كان بحراً،

‏ولكني أعدك بأنني سأعلمك صناعة القوارب من كلماتنا البالية."

‏السطر الرابع:

‏"ستمسك بمجاديف من خشب الذاكرة الهش،

‏وأنا سأرفع الشراع نحو جزيرةٍ لم نكتشفها من قبل،

‏حيث لا توجد خرائط للعودة، ولا بوصلة تشير إلا إلى 'الآن'."

‏السطر الخامس:

‏"في هذه الجزيرة، سنبني بيتاً من أسئلةٍ لا تخاف من الإجابات،

‏شرفته تُطل على بحر الظنون القديم، لكن الأمواج لن تصل أبداً إلى عتبة الباب."

‏السطر السادس:

‏"ستكون نافذته مفتوحةً دوماً على رياحٍ تحمل عطراً جديداً،

‏عطراً نصنعه من رحيق اللحظات التي لم نعشها بعد،

‏ومن رمال الأمس الذي صار مجرد إطارٍ لصورتنا الجديدة."

‏السطر السابع:

‏"هنا.. لن نكون شاهدين على الماضي،

‏بل بستانين لزمنٍ نبتكرُه بأنفسنا..

‏زمنٌ لا يفرق بين 'غاب' و 'عاد

‏لأن كل غيبة ستكون مجرد نفَسٍ نأخذه كي نعود أكثر قرباً."

‏السطر الثامن:

‏"وفي الليل، عندما تملأ النجوم صفحة السماء،

‏سنقرأها كما لو أنها يومياتٌ نكتبها معاً..

‏لا نبحث فيها عن أبراج تحدد مصيرنا،

‏بل نرسم بأصابعنا صوراً جديدةً لمواقعنا في هذا الكون الواسع."

‏السطر التاسع:

‏"وأخيراً..

‏سنترك الباب موارباً للضوء،

‏وللرياح، وللضيوف الجدد،

‏ولكل قصيدةٍ لم تُكتب بعد.

‏لأن هذا الفصل..

‏ليس نقطةً في نهاية جملة،

‏بل فاصلةٌ تنتظر أن نكملها معاً..

‏كلمسةٍ أولى على جبين الصباح."

‏---

‏المشهد الثاني: حفلة الشاي تحت شجرة الوقت

‏اجتمعتْ دُمى الذاكرةِ حول مائدةٍ من قشور الأيام،

‏كانت أمي توزعُ الابتساماتِ في فناجينَ من خزفٍ قديم،

‏بينما كان أبي يعلّمُ الظلَّ كيف يرقصُ على أنغامِ العودة.

‏كانت جدتي تحيكُ من خيوط الشمسِ بطانيةً للبرد القادم،

‏تُلوّنها بحكاياتٍ عن قمرٍ لم يغبْ عن نافذتها أبداً.

‏المشهد الثالث: موعد مع طائر السفر

‏في الصباح،

‏التقيتُ بطائرٍ يحملُ حقيبةً من ريشتين،

‏سألني:"أترغبُ في العودةِ إلى أيامٍ لم تعشها بعد؟"

‏أومأتُ برأسي..

‏فحملني إلى مدينةٍمن زجاج،

‏كانت أمي هناكَ تزرعُ نجومَ اللغز في حديقة المنزل،

‏وأبي يبني سوراًمن قطراتِ ندى لحماية أحلامنا.

‏المشهد الرابع: حارس النهر

‏عند منعطف النهر،

‏قابلتُ طفلاً يحملُ عصا سحريةً من قصب،

‏كان يرسمُ على الماءِ وجوهاً لأحفادِه الذين لم يولدوا بعد،

‏قال لي:"الذاكرةُ ليستْ شريطاً يعيدُ نفسه،

‏بل نهرٌيمنحُ كلَّ جيلٍ قطرةً مختلفة."

‏المشهد الخامس: كرنفال الظلال

‏عند الغسق،

‏تناديتْ ظلالُ العائلةِ على جدارِ الزمن،

‏كانت ترتدي أقمصةًمضيئةً وتلعبُ الغميضة،

‏ظلُّ جدي يختبئُ في جيبِ سترتي،

‏وظلُّ جدتي يتدلى من حبلِ غسيلِ الذكريات.

‏المشهد السادس: مرصد الأحلام

‏في منتصف الليل،

‏اصطحبتني أمي إلى سطحِ الحكايات،

‏أشارت إلى النجومِ وقالت:

‏"انظري.تلك النقطةُ الزرقاءُ هي يومُ زفافكي،

‏وتلك البقعَةُالذهبيةُ هي ضحكةُ حفيدتك الأولى،

‏أما الحلقةُالمحترقةُ هناك..

‏فهي جرحُ الوداع الذي سيتحوّلُ إلى نجمةِ دليل."

‏المشهد السابع: مخبز الروح

‏قبل الفجر،

‏دخلتُ إلى مخبزِ الأقدار،

‏كانت أمي تعجنُ ذكرياتِها مع رحيقِ الياسمين،

‏وتصنعُ خبزاً يمنحُ الآكلين قوةَ العودةِ إلى أيّ زمان.

‏المشهد الثامن: حفلة التناسخ

‏اجتمعتْ أرواحُ العائلةِ في حلبةِ الرقصِ الكونية،

‏كانت أمي ترتدي فستاناًمن ضوء القمر،

‏وراحتْ تدورُ في دائرةِ الأجيال،

‏تتبادلُالأجسادَ مع أحفادِ أحفادها،

‏في لعبةٍلا تنتهي من العطشِ للحياة.

‏المشهد التاسع: وداعٌ مؤقت

‏عند الفجر،

‏ودعتُ أمي في محطةِ الأوهام،

‏كان القطارُمصنوعاً من ضبابِ الحنين،

‏والتذكرةُورقةَ شجرٍ من شجرةِ العائلة.

‏قالت:"لا تبكِ.. فكلُّ قطارٍ يغيبُ عن المحطة

‏يعودُيوماً كنسيمٍ يطرقُ نوافذَ الأحفاد."

‏المشهد العاشر: البيت المتجدد

‏عدتُ إلى المنزل..

‏فوجدتُ أمي جالسةً في صورةٍ على الجدار،

‏تسقِي زهرةَالأرواحِ التي لا تموت،

‏بينما كانت نسخةٌأخرى منها

‏تُهيئُ لي الفطورَ في المطبخ،

‏وتحيكُ من خيوطِ الفجرِ معطفاً للمستقبل.

‏ها هي العائلةُ..

‏تموتُ وتولدُ في كلِّ لحظة،

‏كموجات بحرٍ يغسلُ شاطئَ الأبدية.

الزقاق العتيق 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ أما آن لنا أن نحيا ♕ بقلم الشاعر : سليمان كامل

 أما آن لنا أن نحيا؟ بقلم // سليمان كاااامل ************************** أمهلونا كي......نرفع الرأس قليلاً قد أتعبنا................هذا الخضوع...