الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

& إنتفاضة إمرأة & بقلم الأديب : أحمد علي صدقي

 انتفاضة امرأة.

نساء من مختلف الأعمار ينتظرن وصول شاحنة النقل لعملهن... منهن الجالسات، ومنهن الواقفات. منهن الخطيبات، ومن هن المستمعات... بجانب الجماعات تكتلت حقائب بها خبز وماء لسد جوع وعطش اليوم... صدى صوت ضحكهن وقهقهتهن يملأ أرجاء ناصية الشارع...

تراءت شاحنة النقل من بعيد. حملت كل واحدة منهن حقيبتها وأسرعت جهة مكان وقوفها طمعا في أخذ مكان للوقاية من هبوب رياح السرعة. كن يتكدسن فيها كتكديس أكياس البطاطس التي سيعبئونها بها بعد وصولهن للضيعة...

لم تكن الشاحنة مهيأة للركاب. فهي شاحنة متهالكة، لا بها مقاعد ولا تحتوي على أدنى متطلبات السلامة... توقفت في مكانها المعهود.. تسارعن لأخذ أمكنتهن للركوب. نزل ذلك الفتى الذي تعود الجمع على أوامره و على خبثه... قال:

- الشابات أولا، وبدون كلام... الشابات في أول الصف والباقي في المؤخرة...

كالمعتاد ضحكت كل النساء من استهزائه إلا تلك التي كانت في آخر الصف همهمت في صدرها كلاما لم يفهمه أي واحد من الحاضرين...

للصعود للشاحنة تتشبث الواحدة منهن بحاشية الباب فيدفعها الفتى من مؤخرتها الى الأعلى. يعينها على ثقلها لتسقط على وجهها مفرغة كل جسمها بداخل مستوعب الشاحنة.

نظرت تلك المرأة الجديدة لما يقوم به الفتى وتساءلت هل ما يفعله هو إعانة على الصعود أم هو شيء آخر؟ هذا التصرف اعتادته العاملات ولا واحدة منهن أمست تفكر فيما يفعل بها... أصبح هذا التصرف مقبولا يليه دائما ضحك رغم قبحه...

اشمأزت العاملة الجديدة من تصرف الفتى ومن قبول النسوان لهذا التصرف الشائن... أرادت الصعود. تقدم الفتى لإعانتها، شعرت بيديه تتحسس مؤخرتها. التفتت إليه مستهجنة تصرفه. نظرت كل النساء إليها وكأنها خرقت عادة ألفن حدوثها... ضحكن جميعا في وجه الفتى... زمجرت هي لوحدها في وجهه.. كانت زمجرتها تنبئ بقلق يخفي دموعا كادت تتساقط على خديها التي حفر عليها الزمان، بمعاول الحزن، أخاديد عميقة عمق جروح نفسها. نظرت النسوان الى الفتى وقد تغيرت ملامحه. خفن منه جميعا و ما خافت منه لوحدها... بصقت في وجهه... لطمها على خدها. زاد من غضبها... لعنته ثم ركلته واحتمت ببعض صديقاتها. نزل الكل من الشاحنة لغرابة ما وقع...

كان هذا الحدث لهؤلاء النسوة كأنه صحو من طلاسم سحر كان الفتى قد رماهن به منذ زمان...

لأول مرة يحس الفتى بخشونة تصرفه أمام امرأة استهجنته فلعنته عليه. أحس بثقل ردة فعل ما انتظرها أبدا من امرأة... استشعر ثقل حشمة وخيبة بذاءة تسقطان عليه أمام هذا الجمع، من فمها كحجارة سجيل تتساقط عليه من مناقير طيور الأبابيل...

لطالما تحسست يداه الجائعتين المكبوتتين مؤخرات هؤلاء النسوة ولم تنهه ولو واحدة منهن على فعله... كان الأمر كأنه مجرد مساعدة لم ينتبه اليها أحد إلا هاته المرأة...كان ينهش بأصابعه تلك الأكوام من اللحم للسيدات المثخنات و يتلمس ساخرا عظام من ضعفت منهن...

طأطأ الفتى رأسه وأدخل يديه في جيوب معطفه وكأنه شعر بشيء خبيث قد ملأ كفيه. كان يحاول اخفاءهما عن الأنظار لما لطخت به من خبث تصرف اصبح يرى بارزا للجميع...

ركب شاحنته وغادر المكان لوحده تاركا النسوة حول بطلة اليوم، العاملة الجديدة، يباركن لها انتفاضة أفاقتهن من سحر كان قد خطف ابصارهن لزمن طويل...

أحمد علي صدقي/المغرب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ لم يعد يُؤتمن ♕ بقلم الشاعرة : سها صلاح إبراهيم

 ((لم يعد يُؤتمن)) فؤادي لا تدع الشوق  يأخذك بعيدًا.  سيرافقنا برفقة  الجوارى، ويُلهم نفسه  بخضوعٍ للعشق؟  إنه خيالك المُضلل.  الأميرات ورثن...