ضيف مقيم
""""""""""""""""
بقلم /محمود أحمد الحكيم.
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
حضر إليّ ثلاثةضيوف ،أو بالمعنى الصحيح أنا من استقدمتهم لبيتي ،طالت اقامتهم عندي ،ولم أكن أبدا ممن يضيق بالضيوف ،فكم تعودت مندرة أبي مفتوحة لكل قاصد أو مؤنس أو عابر سبيل ،يقدم ما بوسعه تقديمه وما جادت عليه به الأيام ،ولم تحلو ثرثرة الجارات إلا بحظوة من قهوة وحليب أمي وبعض قطع من الحلوي بيتية الصنع والماركة ،ولم أفعل مع ضيوفي مثل ما يفعل أعرابي الصحراء الذي يطعمهم ويكرمهم ثلاثة أيام ثم بعد ذلك يسألهم فيما قدومهم وما حاجتهم ،وبعدها يكون في حل من ضيافتهم .
ضيوفي غير كل الضيوف والأصدقاء فهم يقيمون معي كأنا في البيت يلجون كل ركن في الدار ،ودون حرج لا يتوقفون عند صالة أو حرملك ؛أولهم : لا يحلوا له الجلوس إلا علي طاولة صغيرة "الكومدينوا"ثرثار لا يكف ولا يتوقف عن الكلام والحديث ،ورغم صغره إلا أنه موسوعة من الحكم والمعلومات ، يتحدث في كل شئ وعن كل شئ،يقلد أصواتا شتى ،ضمن كلامه أحاديث جادة خطيرة ،وبعضها نكات هذلية مضحكة دون تبجح وابتذال ،وأكثر كلامه أخبار عن الناس والعالم ،وبعض النصائح الصحية والغذائية ،كما أنه يحترم مواقيت الصلاة فتراه يؤذن من مكانه لا يخالف التوقيت إنه ضيفي المقيم الراديو .
وثاني ضيوفي صامت لا يتحدث إلا بعدما أغريه بالحديث إلىّ ،فيفتح لي نافذة وجهه المنيرة ،صاحب ذاكرة فريدة وحافظة مبهرة معجزة ، يفهم في الخط ويعرف أصول الكتابة كأعظم خطاط هو قاموس من العلوم موسوعي المعرفة ،ينظم كل علم وكل فن ،يقرأ القرآن بأصوات لشيوخ كثر وكأنه احتفظ بالوحي المقدس بين ثنايا جسده ،ويمكن له أن يغني ويطرب بالتراثي من المغنى الأصيل أوالحديث الصاخب والهابط ،اكتسب مهابة المظهر وتعقيد الحداثة النافعة ،إنه ضيفي المقيم الكمبيوتر .
أما ثالث ضيوفي فهو المحبب إلى قلبي وعقلي ،هو صامت طوال الوقت تخاله أخرس ولكنه طالما يخاطب العقل قبل القلب والوجدان ،خطابه منظم محدد في موضوع واحد يعطيك تفاصيله ومضامينه تباعا كلما طالعت صفحاته الناصعة البرّاقة ،مؤتلف الوحدة والأفكار ،تكمن فيه أسرار الحكمة والعلم والقصة والأمثال ،منه النوع الأصفر الذي لا يثمر ،وبعد حديثه الطويل الممتع يعطيك في النهاية تلخيص وختام عن كل ما قاله لك بفهرسة ونظام إنه ضيفي المقيم كتاب .
🌹🌹🌹🌹
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق