مقالة
(فردة حذاء)
كانتا اثنتين أنيقتين ، زاهيتي المنظر ناعمتين تفوح منهما رائحة الجلد الطبيعي ، أحسن الصانع بهما صنعته.
….. على عتبة بيت خارجية رُكنتا ، واحدة منهما انفردت بعيدة عن نظيرتها … زائر ما ركلها بقدمه ، ظنت نفسها أنها كرةٌ ..... نسيت أنها فردة حذاء..... لا قيمة لها إلا بنظيرتها.
استمتعت بالتدحرج .....وبمنظرها الذي مازال جذاباً وأنيقاً.
كل ذلك النهار كانت تتدحرج بين أقدام الآتي والغادي لا قيمة لها ، أشعة الشمس الحارقة في ذلك اليوم قد غيرت من ألوانها الزاهية... ونضارتها ونعومة ملمسها فقد نال منها الركل ما نال.... حتى لم تعد تشعر بلذة ومتعة التدحرج .
أمست خارج المكان والزمان ..... في تلك الليلة باتت بعيدة عن نظيرتها رُميت بجانب جدار متهالك قديم .
ذلك الشارع القميء........كان سُكارى آخر الليل يمرون…سكيرٌ يتقيأ ... وآخر يبول ......وثالث يركلها لتستفيق من خدرها المقيت لحين .
وجاء الفجر نذيرَ طالعٍ... أطل بنوره عليها كالحريق ، كلاب الليل قفلت راجعة ........أحدها التقطها بفيه وأعادها ليركنها جانب نظيرتها على تلك العتبة الخارجية للبيت.
أحست نظيرتها بعودتها...... بكت وأسدلت عليها من حنوها وعطفها وألوانها وأناقتها ونعومتها حتى تغير من لونها وأصبحتا بلون واحد وشكل واحد، وربما أناقة واحدة، حتى أصبح الناظر لهما لا يميز واحدة منهما عن الأخرى.
وعندما أضحت الشمس بكبد السماء نظرت تلك المركولة المتدحرجة بالأمس لنظيرتها وقالت:
ويحكِ ما الذي غير لونك وأفقدك زهوك .. ونضارتك.. وأناقتك وغير من شكلك ؟
.....نسيت تلك المركولة المتدحرجة داءها ورمت به، وانسلت ، وظنت نفسها أنها (أفروديت و عشتروت وإيزيس وفينوس )
وهي مهما ارتقت لن تكون إلا شسع نعل .
لقد اختفى الجميع من المشهد وبقيت أنت وحيداً ، فأنت الوجدان .
د. عمر أحمد العلوش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق