عندما ثارت القصيدة
وفجأة ثارت أشعاري، و مزقت صمتها المعتاد.
كانت تعلم مدى إسراري على اقتحام كل الأبعاد.
كتبت تقول عني، لما أخلفت الميعاد.
أنها تبرأت مني ، وتساءلت في عناد
ماذا لو أفشيت لها أسراري؟
استعصى عليها الجواب. فتركت جانبا الكتاب.
وادعت أنها تغار عني
من القوافي التي تقاسمني الهموم.
وانتظرت في صمت محموم،
أنى يأتي ذلك اليوم،
الذي تنبعث من رمادها القصائد.
لتنحت لها مكان رائد. تعلوه نشوى
وتصرخ في وجهي وتقول :
لست مولاي. ليتها قالت كنت مولاي.
أنا سيدتي لست سوى خادم الكلمة الرهيفة.
وكل أنواع القطيفة. أحيا بأنفاسها اللطيفة.
ولا أتضمر من عزوفها المعتاد.
لازلت أذكر بداياتها ، لما كانت تأتي قبل الميعاد.
طرحت جانبا أنانيتها ،
وأعلنت أمام الملأ عن خريف آمالها ،
وقالت تزيد حيرتي :
وحده مولاي أمير القوافي،
من يستطيع رسم البسمة على وجوه الأطفال.
لان عبراته تحمل في طيها سر كافي
لكل ظامئ يرغب كسر الأغلال.
كم كانت كلماتها تنم عن عتاب.
تلوح به لكل من غاب.
و تناست أنها كانت بالأمس عنوانا لكتاب.
تستمد من حروفه الجريئة. ومعانيه البطيئة،
طريقها في ردهات الذاكرة.
حين كانت تستطيع صد القطيعة.
و تأبى أن تكون جارية مطيعة:
خادمة تضيء المكان بالنهار،
وحاضنة بالليل لكل الأسرار.
تسلحت بحروف الأبجدية ، وكل الخرافات والأحجية.
واخترقت سطور الأزل،
لتبحث لها عن توازن المعاني
في قاموس عرفها السرمدي.
واتخذت لها منحى تصارع فيه موج التيار،
كأن ما قامت به خيار
لكنها هجرت قلمي ، لتزيد ألمي.
واعتقدت مثلي أن أميرها، القادم من فجوة الزمن
سيعيد للقوافي صلابة عودها.
واكتشفت مثلي وككل مرة،
أن أميرها الحالي وإن أعاد الكرة،
لن ينجو من قسوة الكلمة.
ماذا لو عانقت مولاتي كل شبر في أبياتي،
وانتد بت من معانيها جرأة القوافي الثائرة؟
وتحلقت مع أخواتها في كل بقاع الدائرة.
لعل قليلا من بريقها المتناثر على الطرقات،
يزيل الغشاوة عن رحيق الكلمات.
فتصبح سيدة المكان، تجول داخل الديوان،
كأميرة رسمها فنان. ووشحها بتقاليد الألوان،
لتركب سفينة القصيد.
ولو تساءلت عن صمت الذاكرة
في مخزونها العابر لبحار الوعيد،
لأدركت أن رنين الكلمات،
لازال صداه يتردد في فصيح اللغات.
فها هي الأحجية تتجمل ببديعها.
وتلك حكاية يتندر بها الحالمون.
وهناك في الضفة الأخرى من القصيد،
على الرصيف المحاذي لبقايا الشجون.
وقفت شذرات من روائع الإبداع على مشارف العيد
تتفحص الوجوه الوافدة، ونظراتها النافدة.
ترقب الأقنعة المزيفة،
إن كانت تحمل وراء ها بعضا من عذابات الشاعر.
كم تعرف مولاتي عن عذابات الكلمة؟
ومعانات الحروف خلال المخاض؟
مادا لو عاشت مولاتي المخاض
وأحست حينها بعذوبة الألفاظ ؟
ولو غاصت في بديع الألفاظ،،
لأدركت أن لامها النافية لن توازي فرحه الطفولي.
مسكينة تلك القصائد المنسية.
كم مخاضا تولد في أمسية من عذابات قاسية .
ذاكرة تؤرخ للزمن، سرعان ما تخبو في أنين.
هي لحظات نختلسها كل حين.
تبقى عالقة في الألحاظ ،
حينما تبدأ الكلمة في رسم المضامين.
إن أميرك الذي تنتظرين مولاتي،
بعت أطفاله إلى مدارس عالية.
يعلم أنها لجيوبنا غالية.
واستبدل قصائد عكاظ،، بجارية تحسن الرقص.
ترك جانبا كل الألفاظ. واحترف فن القنص.
واقتنى سيارة فخمة تليق بلقبه.
وتلفازا شهي الألوان زين خيمته.
لم يعد في حاجة للتنقل.
يستطيع رؤية الأشياء من داخل خيمته.
هجر الكتابة ، وابتاع حاسوبا ذكيا.
ينشر شطحاته على جرائد مهداة في ليلة سمر.
سرعان ما تندثر.
فأصبحت قصائده تثير اشمئزازا،
بعدما كانت فخرا, واعتزازا.
كل معاونيه غادروا المكان.
تركوه وحيدا ينظر بإمعان
إلى قصائده المتناثرة . ووحشة المكان المتكاثرة.
افتكر أشعاره بعد فوات الأوان.
ودواوينه التي كانت تمتطي دروب الزمان.
حين وقفت تحييه القواميس إجلالا،
أيام كانت قصائده تلقى إقبالا.
لما كانت سيدة المكان. لما كان الكل يهاب معانيها.
ويود أن يكون ضمن قوافيها.
لما كانت تتمتع برفقة معجبيها.
وتتزود من غرام محبيها.
وتروي آمال عاشقيها.
لما كانت تقف بجانبهم أيام الحزن والأسى.
وتتغنى بأفراحهم صباح مسا.
حين كانت معانيها تجول كل القلوب.
كنسمة عابرة لديوان مكتوب.
لكنها غيرت جلدها وأكثرت عنادها.
فأضاعت مجدها.
ليت مولاتي قرأت أشعاري وهي تتجول داخل دياري.
لتراء لها في الأفق
سحر كلماتي وقد ازدانت بالشفق.
وجموع الحروف تندفع لملاقاتها
وتتسارع لمعانقتها.
و لو غاصت في حروف الروي،
لما احتاجت لكل هذا الذوي.
ولتراءى لها القلم ينتفض من سباته
وهو يوقظ الورق.
ويختار أجمل الكلمات. يوشح بها صدر أبياته.
ولو كانت أشعاري كما تدعين مولاتي.
لما عدلت الكلمة عن الغياب.
ولما بررت هجرها بكل الأسباب.
ولما أقسمت أنها كانت تترقب ساعة الإياب.
لأنها تعرف أن صحوة الشاعر،
توقظ في أعماقها الأمل الثائر.
ليثني كنت كأميرك مولاتي
لما أقمت لأشعاري جلسات.
ألقي وسط جموعها ما أعددت من إبداعات.
أتحد ث فيها عن المعانات . وعن الجروح التي تقاسي.
ولما حلقت في سماء العذابات.
أرمق بعين ذاهلة كل المآسي،
وهي تنشر في دروبها فصول الأخبار.
وتدين من صنع القرار. ومنعها من ولوج المسار.
قصائد مولاك أميرتي، كانت حالمة.
تسلك الطرقات السالمة.
كانت جد ذكية. لا يهمها أن تكون أبية.
تجيد فن الارتقاء في دروب الرياء.
وتعشق الغناء في المواسم الرسمية.
تلم حولها فلول الرعية. تشكو حالتها المزرية.
وتستجدي على الأبواب العطية.
لكن قصائدي التي تعيبين مولاتي،
هي كل ما يملأ حياتي.
أنام على بسمتها البريئة.
وأصحو على معانيها الجريئة.
وأرافقها عاليا في السماء.
لتعانق آلام الأبرياء. فهي لا تحب الرياء.
ولا تتملق للكبرياء.
قصائدي مولاتي لا تغير المسار.
لان طريقها ليس خيار.
فهو حمل على الظهر. كل حين طول الدهر.
إن صانع القوافي يثور في بعض الأحيان.
ويضع كلماته في قفص الاتهام.
يحاكمها من أجل البيان.
ويعيب عليها قلة الاهتمام.
لأنها وبكل بساطة ، تحب الوساطة.
يحذرها من الارتخاء. واستعباد الرخاء.
ويدعوها الارتقاء. في دروب الوفاء.
لتبقى حريصة على قاموس المعانات.
أدعو قصيدتي الحائرة، أن تعدل هدا اليوم،
عن هجر أبياتي الثائرة. وتكف عن اللوم.
وتصاحبني في جولتي اليومية،
عبر القوافي المتراخية،
وهي تتمايل كإشراقة الصباح
مع نسمات عليلة حملتها الرياح .
عل مولاتي تجد ضالتها المنشودة.
وتعودين تلك الأميرة الودودة.
التي كانت صاحبتي الأليفة.
العاشقة للكلمة الرهيفة.
و المغرمة بالمعاني الحالمة.
تتربعين على عرش كلمات القصيد.
وتختالين في بحور القوافي،
كأميرة تحف بها جواري.
عبدالله موتان.... 29-06-2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق