*** معًا حتّى إشعار آخر ***
كنت قد أهديت هذه القصيدة
إلى الصديق الشاعر المنصف الوهايبي
حين فقد زوجته الحبيبة في حادث طريق
مَعًا في صَباحاتِ كلِّ شتاءٍ كئيبٍ
تُغَلّفُها مَوْجَةٌ مِنْ صَقيعْ
نَتُوقُ إلى البَهْجَةِ والصّفاءِ
ودِفْءِ شُموسِ الرّبيعْ
ولكنّنا نَرْحَلُ
وحيدينَ ذاتَ صباحٍ ربيعي شديدِ الضّياءِ
فَلَا طائرٌ يُوقِفُ شَدْوَهُ
ولا وَرْدَةٌ تَمْنَعُ عِطْرَها أنْ يَضوعْ.
* * *
مَعًا نَمْلَأُ الميادينَ في لحظاتٍ
معًا نتنفّسُ غازًا يُسيلُ الدّموعْ
ونحنُ نُقيمُ المتاريسَ في الطرقاتِ
ونُشْعِلُ كَمًّا مِنَ العجلاتِ
لِتَعْطيلِ سَيْرِ الدّروعْ
ونَفْسُ الهِراواتِ تَهْوِي عليْنا
ويبْحثنا باحثٌ واحدٌ
ونَرْتادُ بعْدَها نفْسَ السّجونْ
ولكنّنا نخرجُ
بِيَوْمٍ شديدِ الصّفاءْ
مُحاطينَ بالآخرينْ
إلى حُفْرةٍ لا هواءَ بها أوْ ضِياءْ
نُقيمُ بها مُفْرَدينْ
" ونُنْسَى كَأنْ لَمْ نَكُنْ "(1) سريعًا سريعْ.
* * *
مَعًا نُهْدي لِلدّودِ مَنْ بادَلونا الوِدادْ
ونَأْسَى لِفاكِهَةٍ غَضّةٍ أتْلَفَ البَرَدُ
وحقْلٍ بَهِيٍّ غَزاهُ الجرادْ
وبَيْتٍ حَوَى ما حَوَى مِنْ عُهودٍ
غَدَا فَجْأةً كُومَةً مِنْ رمادْ
ولكنّنا سَنَظَلُّ نُحِبُّ
ونَحْتَضِنُ مَنْ نُحِبْ
ودَوْمًا نَشُدُّ على أيدي مَنْ صافَحونا
بِرغمِ خِيانةِ مَنْ عاهَدونا
ومَنْ قاطَعونا بِدونِ سَبَبْ
ونَبْنِي بُيوتًا بِها لَنْ نُقيمَ
ونغرِسُ كلَّ صُنوفِ الشّجَرْ
وقدْ لا نُبَلَّغُ حَتْمًا
مَواسِمَ نُضْجِ الثّمَرْ
ونَدْفُنُ تحْتَ التّرابِ حُبوبًا
ونَنْتظرُ أن يَجيءَ الرّبيعْ
لأنّ نِداءَ الحياةِ
بِأعْماقِنا لَنْ يَضيعْ.
_________________________
(1) تضمين لكلام محمود درويش
عمار العربي الزمزمي
الحامّة ، تونس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق