في رثاء طه حسين - (محمد رشاد محمود)
كانت الأمة تسطر صفحة مجدها في العصر الحديث حينما فجعها الدهر بنبأ وفاة أديب العربية الدكتور طه حسين في ٢٨ من أكتوبر عام ١٩٧٣ وكنت حينها في التاسعة عشرة في مبتدأ سنوات الجامعة ، وكنت طالعت نتاج الرجل وعرفت له فضله ، بحيث هزني افتقاده ، فاستنطقني قصيدة طويلة ، كان منها هذه الأبيات :
ولــقد مضَى مَن يَستظِلُّ بِسَـمتِهِ
نَضوٌ وتَرقُبُ وَمـضَهُ الطَّخيــــاءُ
ينبــوعُ نُورٍ لِــلأفـاضِلِ مَنهَـــــلٌ
ومَـــذاقُـــهُ لِــلآحِـنيــنَ ذَمَـــــاءُ
جَمعَ النَّقيضَينِ الحيَاةَ إلى الرَّدَى
لِلــفِرقَتَينِ هَـناؤهـَـــــا وشَــــقَاء
أيَّامُـهُ اللَّائِي شَبَبْنَ علَى الشَّجَى
باهَـتْ بِهِـنَّ على الشَّجَى الضَّرَّاءُ
يَمسَحنَ أوضارَالنفوسِ سَـواكِـبًا
مِنْ حُسنِهِــــنَّ وإنَّهُــــــنَّ بُكـــاءُ
يَهَـــــبُ الضِّياءَ وعَيـنُهُ عَميــاءُ
واللَّيـــلُ أعمَـى والنُّجـومُ ضِياءُ
يَقِظَ القَريحَةِ مِقوَلًا في حِندِسٍ
تَعمَى لَـــــهُ أفواهُهَــــــا الـبُلَغاءُ
لَمْ تَنأَ في بَطنِ الـرَّغامِ عن الدُّنا
الـرَّاكــضونَ علَى الثَّـرَى البُعَداءُ
هَــــــوْءٌ وإقــدامٌ ورِقَّـةُ جَـانِـبٍ
خُلِـقَتْ لَـدَيكَ فحـارَتِ الأهـكاءُ
أَتُرَاكَ آنَســـتَ الـعَـلاءَ فَغُـودِرَتْ
دُنيَاكَ يَصحَبُ رُوحَكَ الشُّهَــداءُ
كَـرُّوا كَتثبَاقِ القَمُوصِ تَضَوَّرَتْ
مِنهُ الحَصَاةُ وهَـاجَتِ الأحشاءُ
وكَـــأَنَّمــا غازُ السُّـحُورِالمُقتَنَى
وكَـــأَنَّمــا داءُ الــرَّدَى الأعـداءُ
عَبَروا فأَرهَجَتِ السَّمَاءُ جَهـامَةً
واستَبسَــلوا فاهْــتَزَّتِ الأرجاءُ
فَنَمَــتْ دُجُنَّاتٌ تَرَقْرَقُ بِاللَّــظَى
شَــرِبَتْ حُمَيَّاهَــــا دَمًا ســيناءُ
عَشـرٌ مِنَ الشَّهـرِالكَريمِ تَنَهَّدَتْ
مِثلَ الأَكِمَّــــةِ بَينَهـــــا الأَفعَـاءُ
أضمَرنَ مُعجِزَةً فَفَسَّـــأَ خِدرَهَا
ثُبُتٌ علَى دَركِ الــرَّدَى بُسَـــلاءُ
تلك الحياةُ أمـا تَمـنُّ على الفَتى
إلَّا وقـد شـــابَ اللُّهَـــى أَجبَـاءُ
إنَّا بَنـو المَـوتَى ولَكِــــنَّ الـثَّرَى
حَجَبَ الرُّفاتَ فَأكـهَـمَ البُصَراءُ
سُبُلُ الأنامِ إلى الرَّغامِ وكُـلُّ ما
فَوقَ البَســيطَةِ كاللَّــفاءِ لَـــفاءُ
دارٌ يَعيثُ الشَّـــرُّ في جَنَبَاتِهـَــا
قُطَّـانُهَـــــا في خَيرِهَا خُصَمـاءُ
قَد جِئتُهَــا والقَلبُ أشهَـبُ لامِعٌ
ووَلَجتُهـــا ولَهَـــــا بِهـــا إِغـفاءُ
(محمد رشاد محمود)
..................................
الطخياءُ : اللَّيلَةُ المُظلِمَةُ ، ومن الكلامِ ما لا يُفهَمُ .
للآحنين : للحاقدين .
الذَّماءُ : بَقِيَّةُ النَّفسِ ، أو بقِيَّةُ الرُّوحِ في المذبوح .
الحِندِس : اللَّيلُ المُظلِمُ ، والظُّلمَةُ .
الهَوءُ : الهِمَّةُ والرَّأيُ الماضي .
الأهكاءُ : المُتَحَيِّرونَ . القَموص : الأَسَد .
التَّثباقُ : إسراعُ جَريانِ النَّهرِ وكثرَةُ مائِهِ .
السُّحورُ : الرِّئاتُ . اللُّهَى : العطايا ، أو أجزَلُها وأفضَلُها .
أكهمَ (بَصَرُهُ) : كَلَّ ورَقَّ . الرَّغامُ : الترابُ اللين أو الرَّملُ المُختَلِطُ بِتُراب .
اللَّفاءُ : التُّرابُ (أيضًا).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق