السبت، 2 سبتمبر 2023

♕ سَلي الرِماحَ ♕ بقلم الشاعر : أحمد المقراني

 صَفِيِّ الدينِ الحِلِّي

هو أبو المحاسن عبد العزيز بن سرايا بن نصر الطائي السنبسي نسبة إلى سنبس، بطن من طيء شاعر عصره. ولد ونشأ في الحلة (بين الكوفة وبغداد) واشتغل بالتجارة، فكان يرحل إلى الشام ومصر وماردين.

°°°°°°°°°°°°°

بعد يوم شديد الحر عنّ لي أن أخرج إلى ضاحية المدينة اسرح نظري وأشتم نفسا من النسيم الذي لم تخالطه الشوائب ولم تلوثه عقابيل ما في المدينة من الآثار الدخيلة،ورغم وحشة المكان وآثار الصيف البادية على أديمه إلا أنني وجدت في خلوتي شيء من الراحة.

فجأة انعقدت عن بعد شبه عاصفة وعلا الغبار ولم يلبث الغبار حتى انكشف عن فارس يمتطي جوادا سابحا لاح بكرته عليه تسطع الحلل ككوكبة الخريف إذا بديجور الدجى ظهرت،الرمح في يمينه والسيف في يساره وقد أرخى لجواده تاركا خلفه سحابة من النقع تخفي أثره،كدت أسقط لما مر كالريح العاصف بجانبي.وما شد انتباهي وحيرني أن الفارس كان مزهوا معتدا بنفسه يردد بأعلى صوته مطلع قصيد ة فخر وغزل وتشبيب وحكمة،القصيدة سبق لي أن درستها وتشربت معانيها لم أسمع من الفارس إلا مطلعها لقد مر مسرعا ليذكرني بها وليتركني أكمل باقي القصيد وأعيد التأمل فيها من جديد. والسؤال الذي دار بخلدي :من هذا الفارس المغوار،أحداث غير مرتبة والبعض منها يخرج عن المألوف،أهو صفي الدين الحلي صاحب القصيد يريد تذكيرنا بها بعد قرون من الزمن،بناء على ما ذكر فقد اقتنعت بأنه هو. وهذا نص القصيد:

سَلي الرِماحَ العَوالي عَن مَعالينـــا°°° وَاِستَشهِدي البيضَ هَل خابَ الرَجا فينا

وَسائِلي العُربَ وَالأَتراكَ ما فَعَلَت°°° في أَرضِ قَبرِ عُبَيدِ اللَهِ أَيدينا

لَمّا سَعَينا فَما رَقَّــــت عَزائِمُــــــــــنا°°° عَمّا نَرومُ وَلا خابَت مَساعينا

يا يَومَ وَقعَةِ زَوراءِ العِــــراقِ وَقَــــد°°° دِنّا الأَعادي كَما كانوا يَدينونا

بِضُمَّرٍ ما رَبَطناــــــها مُسَوَّمَــــــــــةً°°° إِلّا لِنَغزو بِها مَن باتَ يَغزونا

وَفِتيَةٍ إِن نَقُل أَصغَــــوا مَسامِعَهُم°°° قَولِنا أَو دَعَونـــــــاهُم أَجابونا

لقَومٌ إِذا اِستُخصِموا كانوا فَراعِنَةً°°° يَوماً وَإِن حُكِّمواكانوا مَوازينا

يَوماً وَإِن حُكِّموا كانوا مَوازينــــا°°° تَدَرّعواالعَقلَ جِلباباً فَإِن حَمِيَت

تَدَرَّعوا العَقلَ جِلباباً فَإِن حَمِيَـــت°°° نارُ الوَغى خِلتَهُم فيها مَجانينا

إِذا اِدَّعَوا جاءَتِ الدُنيا مُصَدِّقَـــــة°°° وَإِن دَعَوا قالَتِ الأَيّامُ آميــــنا

إِنّ الزَرازيرَ لَمّـــا قـــــامَ قائِمــُها°°° تَوَهَّمَت أَنَّها صارَت شَـــــواهينا

ظَنَّت تَأَنّي البُزاةِ الشُهبِ عَن جَزَعٍ°°° وَما دَرَت أَنَهُ قَد كانَ تَهوينا

بَيادِقٌ ظَفِرَت أَيدي الرِخـــــاخِ بِهــــا°°° وَلَو تَرَكناهُمُ صادوا فَرازينا

ذَلّوا بِأَسيافِنا طولَ الزَمانِ فَمُــــــذ°°° تَحَكَّموا أَظهَروا أَحقادَهُم فينا

لَم يُغنِهِم مالُنــا عَن نَهبِ أَنفُسِــنا°°° كَأَنَّهُم في أَمانٍ مِن تَقاضيـنا

أَخلوا المَساجِدَ مِن أَشياخِنا وَبَغَوا°°° حَتّى حَمَلنا فَأَخلَينا الدَواوينا

ثُمَّ اِنثَنَينا وَقَد ظَلَت صَـــــوارِمُنا°°° تَميسُ عُجباً وَيَهتَزُّ القَنا ليــنا

وَلِلدِماءِ عَلى أَثـــوابِنـــا عَلَــــــــــقٌ°°° بِنَشرِهِ عَن عَبيرِ المِسكِ يُغنينا

فَيا لَها دَعوَةً في الأَرضِ سائِرَةً°°° قَد أَصبَحَت في فَمِ الأَيّامِ تَلقينا

إِنّا لَقَومٌ أَبَت أَخـــلاقُنا شَــــــرَفاً°°° أَن نَبتَدي بِالأَذى مَن لَيسَ يُؤذينا

بيضٌ صَنائِعُنا سودٌ وَقائِعُـــــنا°°° خُضــــرٌ مَرابِعُنا حُمرٌ مَواضـــــينا

لايَظهَرُالعَجزُمِنّا دونَ نَيلِ مُنىً°°° وَلَو رَأَينــــا المَنايا في أَمانيـــتنا

ما أَعوَزَتنا فَرامينٌ نَصولُ بِهـــا°°° إِلا جَعَلـــــنا مَواضينا فَـــــرامينا

إِذا جَرَينا إِلى سَبقِ العُلى طَلَقاً°°° إِن لَم نَكُـــــتن سُبَّقاً كُنّا مُصَلّينا

تُدافِعُ القَدَرَ المَحتومَ هِمَّتُنـــــا°°°عَنّا وَنَخصِمُ صَرفَ الدَهرلَوشينا

نَغشى الخُطوبَ بِأَيدينافَنَدفَعُها°°° وَإِن دَهَتنا دَفَعنــــــــــاها بِأَيدينا

مُلكٌ إِذا فُوِّقَت نَبلُ العَدُوِّ لَنـــا°°° رَمَت عَزائِمــــَهُ مَن باتَ يَرميـــــنا

عَزائِمٌ كَالنُجــــومِ الشُهبِ ثاقِبـَةً°°° ما زالَ يُحــــرِقُ مِنهُنَّ الشَياطينا

أَعطى فَلا جودُهُ كانَ عَن غَلَطٍ°°° مِنهُ وَلا أَجرُهُ قَد كانَ مَمــــنونا

كَم مِن عَدُوٍّ لَنا أَمسى بِسَطوَتِهِ°°° يُبدي الخُضوعَ لَنا خَتلاً وَتَسكينا

كَالصِلِّ يُظهِرُ ليناً عِندَ مَلمَسِهِ°°° حَتّى يُصادِفَ في الأَعضاءِ تَمكينا

يَطوي لَنا الغَدرَفي نُصحٍ يُشيرُبِه°°°ِ وَيَمزُجُ السُمَّ في شَهدٍ وَيَسقيــنا

وَقَد نَغُضُّ وَنُغضي عَن قَبائِحِهِ°°° وَلَم يَكُن عَجَزاً عَنهُ تَغــــــاضينا

لَكِن تَرَكناهُ إِذ بِتنا عَلى ثِقَــــــةٍ°°° إِنَّ الأَميـــــــرَ يُكافيــــــهِ فَيَكفينا

عدت أدراجي وأنا أردد أبيات القصيد وأقارن الزمنين، زمن صياغتها وزمن التذكير بها،مالت الشمس إلى الغروب وقد اتخذت طريقا غير الذي سلكته أولا.ومن غريب الصدف أن مررت بمقبرة،والأغرب أن مجموعة من النسوة تحلقن حول قبر مهترئ لم يبق قائما فيه سوى لوحة كتب عليها :هنا يرقد......تبين من خلال ذلك أن القبر لقائل القصيد الذي كنت أردد ه إنها أحداث غريبة فعلا،وبعيدا عن الجمع دعاني فضولي لاستطلع ما يدور.إحدى النسوة وبصوت حزين أقرب إلى الرثاء أنشأت تصف الحال وتجيد المقال ولعلها تعرف القصيد المذكور فأنشات تعارضه بنبرة ترين عليها الحسرة والسؤال:

ســل الجيوش غدت تغزو أراضينا°°°واستسهلت بأسنا عاثت بوادينا

تحــالف الشـــر يغتـال مطامحنــــا°°°والخلف يذبحنا غلـــــت أيادينا

حــاق العدو بنـــا أنشــأ يفرقنــــــا°°°إلى الهلاك سعى بالنـار يرمينا

يا فارس الأمس هل خبرت حالتنا°°°عدونا شــــــرس لليأس يولينــا

وبصوت واحد يقشعر له البدن يردد النسوة البيت...

الشعب صار يعاني شرمخمصة°°°بعد الرفـــاه انتقاما من تجافيـــــنا

فهل أعددنا إلى الأعـــداء عدتنا°°°من الإخاء كــــذا السلاح ليحمينــا

يا فارس الأمس انهض لترشدنا°°°إلى الفخـــــار فقد خارت أمانيـــنا

وبصوت واحد يقشعر له البدن يردد النسوة البيت...

أضحى تعاوننا مع العــــــدو سواء°°°أمْنٌ نوفره من أجــــــل غازينا

البعض هب إلى الإقرار هـــرولة°°°بلا بديل لنـــا شـــــــل مساعينا

ياصاحب الرمح والمزراق موعظة°°°لمن يساعدالشريعمل كيده فينا

ويتردد البيت من طرف النسوة...

ادعوا الشباب يسارع للخروج بنــا°°°من التطاحن الذي غلّ مآسيــنا

سؤلي إلى الله أن يشحذ عزيمتنـا°°° يقــــوي شوكتنا يبعث تآخيــــــنا

ما إن أتمت البيت حتى سمع دوي هائل طائرة تمر بسرعة فوق الصوت انطلقت من قاعدة العدوالعسكرية الغير بعيدة على ارتفاع منخفض، تفرق شمل النسوة شذر مذر ،قفزت من فراشي مذعورا وأنا أفرك عيني،وأرد القول الشعبي المأثــــــــــــور: (اللي عضو الهم يبات يحلم بيه). أحمد المقراني




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ لم يعد يُؤتمن ♕ بقلم الشاعرة : سها صلاح إبراهيم

 ((لم يعد يُؤتمن)) فؤادي لا تدع الشوق  يأخذك بعيدًا.  سيرافقنا برفقة  الجوارى، ويُلهم نفسه  بخضوعٍ للعشق؟  إنه خيالك المُضلل.  الأميرات ورثن...