القراءة النقدية الموسعة مع توضيح بعض خصائص الشعر العربي المعاصر.
بقلم الشاعر والناقد الاردني
دكتور محمد سليط
أشراف الشاعرة المصرية
الدكتورة إيمان محمد
القصيدة بقلم
الشاعر فاضل الجبوري
البلد العراق العظيم رحم الله هارون الرشيد.٠
عنوان القصيدة
(تحت...المجهر)
سارت....ومعها...
دميتها....
بين...الشوارع...
والازقه....
سارت...
فاضاعت...الطريق...
سارت.....
بين...دخان....
السيارات....
وبين....العمارات....
فلم...تجد...
من....ياخذ
بيدها....
سقطت....منها
تلك....الدميه..
فصدمتها...
العربيات.....
سارت....
ولم....تعرف...
طريق....العوده...
هي....يتيم...الاب...
والوحيدة....لتلك
الام.....
البيضاء....
خرجت....
تلك...الام....تبحث...
عن....بعض...
الاشلاء....
عسى....ان....تجد...
تلك...السمراء...ومعها...
تلك...الدميه...
العمياء...
سارت...بين...
الازقه....والاحياء
فوجدت...
تلك...الدميه..
العمياء...
وظلت...
تبحث...
عن...
تلك...السمراء
تنظر...بكل...
العيون....
عسى....
ان....تجد...
تلك...السمراء
ضاعت...منها
وضاعت....
احلام....
الفقراء...
هي....فتاة....
من...غزة...
قصيدة الجبوري، "تحت المجهر"، تعتبر من الشعر الحر.
إليكم شرح لماذا تُصنف كشعر حر وما هي خصائصها:
الشعر الحر: هو نوع من الشعر يتخلى عن القواعد التقليدية للشعر العربي الكلاسيكي، مثل الوزن والقافية الموحدة. يعتمد على التفعيلة كوحدة إيقاعية، ولكنه لا يلتزم بعدد محدد منها في كل سطر.
خصائص القصيدة المذكورة التي تدل على أنها شعر حر:
غياب الوزن والقافية الموحدة: لا تلتزم القصيدة بوزن شعري محدد (مثل بحور الشعر العربي كالبحر الطويل أو البسيط) ولا بقافية موحدة في نهاية كل بيت. هناك تنوع في طول الأسطر وتوزيع القوافي بشكل غير منتظم.
الاعتماد على التفعيلة (بشكل مرن): على الرغم من عدم وجود وزن ثابت، يمكن ملاحظة وجود إيقاع ناتج عن تكرار بعض التفعيلات أو الأنماط الصوتية بشكل غير منتظم، مما يعطي القصيدة نغمة موسيقية.
التعبير عن المشاعر والأفكار بشكل مباشر: يركز الشعر الحر على التعبير عن المشاعر والأفكار بصورة مباشرة وواضحة، وهذا ما نجده في القصيدة من خلال وصف مشاعر الأم وفقدانها لابنتها.
استخدام الصور الشعرية: تعتمد القصيدة على الصور الشعرية المكثفة لوصف المشهد، مثل صورة الدمية العمياء وضياع الطفلة بين دخان السيارات والعمارات.
وحدة الموضوع: تدور القصيدة حول موضوع واحد هو فقدان الطفلة ومعاناة الأم، مما يمنحها وحدة عضوية.
ملاحظة مهمة: هناك مصطلح آخر هو "شعر النثر"، وهو شكل شعري يتخلى تمامًا عن أي شكل من أشكال الوزن أو الإيقاع المعتاد في الشعر، ويعتمد بشكل كامل على اللغة الشعرية المكثفة والصور والرموز. القصيدة المذكورة، رغم حريتها من الوزن والقافية التقليديين، لا تزال تحتفظ بإيقاع شعري ما، لذا تصنف كشعر حر وليست شعر نثر.
باختصار، قصيدة "تحت المجهر" هي مثال جيد على الشعر الحر، حيث تتخلى عن القيود التقليدية للشعر الكلاسيكي مع الحفاظ على جوهر الشعر من خلال الصور والمشاعر والإيقاع.
سمو الفكرة في هذه القصيدة
سمو الفكرة في قصيدة "تحت المجهر" للشاعر فاضل الجبوري يكمن في تصويرها المؤثر لمعاناة الفقد والضياع، مع التركيز على الجوانب الإنسانية والاجتماعية. إليكم بعض النقاط التي تبرز سمو الفكرة:
تصوير مأساة الطفولة في ظل الظروف الصعبة: تُجسد القصيدة مأساة الطفلة اليتيمة التي تضيع في زحمة الحياة وصخبها، وتفقد حتى دميتها، رمز طفولتها البريئة. هذا الضياع يرمز إلى ضياع البراءة والأمان في عالم قاسٍ.
إبراز معاناة الأم الفاقدة: تُركز القصيدة بشكل مؤثر على معاناة الأم التي تبحث عن ابنتها المفقودة بين الأنقاض والأشلاء. هذا البحث اليائس يُظهر عمق الرابطة الأمومية وقوة الألم الناتج عن فقدان الابن.
التعبير عن واقع اجتماعي مؤلم: تُشير القصيدة إلى واقع اجتماعي مرير تعيشه بعض المجتمعات، حيث الفقر واليتم والضياع يُشكلون جزءاً من الحياة اليومية. الإشارة إلى أن الطفلة من غز//ة يزيد من حدة هذا الواقع، حيث تُضاف معاناة الحصار والظروف الصعبة إلى معاناة الفقد.
استخدام الرمزية العميقة: استخدام رموز مثل "الدمية العمياء" و"الأشلاء" يُعمق من معنى القصيدة. الدمية العمياء قد ترمز إلى فقدان البصر والبصيرة في هذا الواقع، بينما الأشلاء ترمز إلى الدمار والفقدان الذي يُحيط بالإنسان.
التركيز على الجانب الإنساني: تتجاوز القصيدة مجرد وصف الحدث إلى التركيز على الجوانب الإنسانية من خلال تصوير مشاعر الخوف والقلق والألم والفقد. هذا التركيز يُضفي على القصيدة عمقاً إنسانياً مؤثراً.
وحدة الموضوع والعاطفة: القصيدة مُحكمة البناء، حيث تدور حول موضوع واحد هو فقدان الطفلة ومعاناة الأم، وتسيطر عليها عاطفة واحدة هي الحزن والألم. هذه الوحدة تُساهم في تعزيز تأثير القصيدة على القارئ.
باختصار، سمو الفكرة في هذه القصيدة يكمن في قدرتها على تصوير مأساة إنسانية عميقة بأسلوب مؤثر ورمزي، مع الإشارة إلى واقع اجتماعي مؤلم. القصيدة لا تكتفي بوصف الحدث، بل تُحرك المشاعر وتُثير التفكير في قضايا الفقد والضياع ومعاناة الإنسان في ظل الظروف الصعبة.
قراءة نقدية موسعة لهذه القصيدة مع التركيز على عناصر السيماتيكا والديلتيك و الأنتميكا
سأقدم لكم قراءة نقدية موسعة لقصيدة "تحت المجهر" مع التركيز على عناصر السيماتيكا (علم العلامات)، والديلتيك (علم الدلالة)، والأنتميكا (علم العلاقات النصية).
مقدمة:
قصيدة "تحت المجهر" للشاعر فاضل الجبوري تُعتبر من الشعر الحر الذي يركز على تصوير مأساة الفقد والضياع في سياق اجتماعي مؤلم. تعتمد القصيدة على لغة شعرية مكثفة ورموز عميقة لتوصيل رسالتها المؤثرة.
1. السيماتيكا (علم العلامات):
الدمية: تُعتبر الدمية علامة مركزية في القصيدة. فهي لا تُمثل مجرد لعبة طفلة، بل ترمز إلى الطفولة والبراءة والأمان المفقود. سقوط الدمية وتحطمها تحت عجلات السيارات يُشير إلى تحطم هذه القيم في الواقع القاسي.
الأشلاء: تُشير إلى الدمار والفقدان والموت. وجود الأم تبحث عن "بعض الأشلاء" يُجسد حجم المأساة وعمق الفقد.
السمراء: تُشير إلى الطفلة المفقودة، ولكنها أيضًا قد ترمز إلى لون الأرض والمعاناة والتراث.
العمياء: صفة تُطلق على الدمية، ولكنها تُشير أيضًا إلى فقدان البصر والبصيرة في هذا الواقع المظلم.
غزة: تُعتبر علامة مكانية تُشير إلى سياق جغرافي وتاريخي مُحدد، وهو سياق مليء بالمعاناة والحروب والحصار. هذا يُضيف بُعدًا سياسيًا واجتماعيًا للقصيدة.
الشوارع والأزقة والعمارات ودخان السيارات: تُشكل هذه العلامات فضاءً حضريًا خانقًا ومُعاديًا، يُساهم في ضياع الطفلة وتفاقم المأساة.
2. الديلتيك (علم الدلالة):
دلالة الضياع: تُعتبر دلالة مركزية في القصيدة. ضياع الطفلة في الشوارع يُشير إلى ضياع البراءة والأمل والمستقبل. بحث الأم عن ابنتها يُجسد يأسها وألمها الناتج عن هذا الضياع.
دلالة الفقد: ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدلالة الضياع. فقدان الطفلة يُؤدي إلى فقدان الأم لأهم ما تملك، وهو ابنتها. هذه الدلالة تُثير مشاعر الحزن والأسى لدى القارئ.
دلالة المعاناة: تُشير إلى معاناة الطفلة والأم والمجتمع ككل. معاناة الطفلة من اليتم والضياع، ومعاناة الأم من الفقد والألم، ومعاناة المجتمع من الظروف الصعبة والواقع المرير.
دلالة البحث: بحث الأم عن ابنتها يُجسد الأمل اليائس والتمسك ببصيص نور في ظلام دامس. هذا البحث يُعطي القصيدة بُعدًا إنسانيًا مؤثرًا.
الدلالة الاجتماعية والسياسية: الإشارة إلى غزة تُضيف بُعدًا سياسيًا واجتماعيًا للقصيدة، حيث تُصبح مأساة الطفلة رمزًا لمعاناة شعب بأكمله.
3. الأنتميكا (علم العلاقات النصية):
العلاقة بين الطفلة والأم: تُعتبر علاقة مركزية في القصيدة. تُجسد هذه العلاقة الرابطة الأمومية القوية والألم الناتج عن الفراق.
العلاقة بين الطفلة والمدينة: تُعتبر علاقة عدائية. المدينة بصخبها وازدحامها تُساهم في ضياع الطفلة وتُصبح رمزًا للخطر والتهديد.
العلاقة بين الأم والمجتمع: تُشير إلى عزلة الأم ومعاناتها في مجتمع لا يرحم الضعفاء.
التناص مع نصوص أخرى: يُمكن قراءة القصيدة في سياق نصوص أخرى تتناول موضوع الفقد والضياع والمعاناة في الحروب والصراعات، مما يُعمق من فهمنا للقصيدة.
الخاتمة:
قصيدة "تحت المجهر" تُعتبر نصًا شعريًا مؤثرًا يُجسد مأساة الفقد والضياع في سياق اجتماعي مؤلم. من خلال استخدام لغة شعرية مكثفة ورموز عميقة، تُنجح القصيدة في توصيل رسالتها الإنسانية وتُثير مشاعر القارئ وتُحفزه على التفكير في قضايا المجتمع والإنسان. تحليل القصيدة من خلال عناصر السيماتيكا والديلتيك والأنتميكا يُساعدنا على فهم أعمق لمعانيها ودلالاتها.
بقلم :دكتور محمد سليط
أشراف:دكتورة إيمان محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق