. ـ أجْنِحَةُ السَّامِكِ ـ
* السَّامِكُ الثانِي *
أُشالوا عقيرتهُمْ لنجَاةٍ نحو عنان السَّمَاءِ ومَا أغواثٌ لهُم بمَا أخمصُوا قلوبَهُم سوىٰ أنفسِهِمْ إنْ صدقوا الإخلاص للظَّفرِ، فالذي كمَّنَ لهُم بالحفائِرِ يدرأهُمْ شدَّةَ حريقٍ قد كذبهُم الوشِيجَة والتولِّي في حين صدقوهُ القربَىٰ والٱنتِمَاء، كغرثانٍ يطلبُ الماءَ من سَرَابٍ كلَّمَا أوفزَ إليهِ عنهُ تولّىٰ فسِيَّان مقصدهُ نحوهُ إنْ وَقف أو مَشَىٰ ليس بين يديهِ إلّا مزيدًا من غضَاضَةِ القوىٰ والٱنْحِجَام في ضَئِيلِ العُشْوَة صنو الذي يَدورُ في عَيْنِ دوامةِ التَّربَاءِ ما لهُ من مخرجٍ وليابِسَةِ بَرٍّ من ٱحتِسَابٍ، أو كمَنْ ألقِي لسَاجِ البَحرِ مغلول اليدين وفي أقدامِهِ أثقالُ الحدِيدِ أنْ أُنجو لشاطئِ الأَمان، ذلكُم الرِّهانُ الخاسرُ الاِنتِشالُ مِن الجهِنَّامِ بيدِّ الأراذلِ وٱستجداء السَّلامة من بين براثنِ الوَحشِ، فمَا أغناهُمْ الذلّة وهدر الدَّماء لو أنَّهُم لم يُزوُّرُوا الحقيقة للبَاطِلِ فهُمْ يروجُونهَا مُبهرجَة ثُمّ يبيعونها للنّاس لخبطِ عشواءٍ وفتنِ عميَاءٍ تجعلهُم أنهُوبَةً في مجُونِ غيٍّ الذي ظنوهُ حليفا وكذا مَآلهُم في سَادِرَةِ أنفاقِ سِجِّين، فليس من ملجأٍ أخيرٍ أو عاصمٍ لأحدٍ إلَّا أنْ يكون لا بشريّ بَلْ إِنسَان، قد تبين مَا يُحيي للعليَاءِ وما خلا ذلكُمُ الرَّهْبَلُ وإنْ مِن الخَرَّارَةِ التي تجرِي لسُقيَا مَرعاهَا، وهلْ إنسانٌ إلّا الأثمنُ هُو الحرُّ النبيلُ، فمَا ٱجتاسَ في أمرِ ذاتِهِ في المسِيرِ ولو لم يعبر بقاربِ إبحارٍ للضِّفةِ الأخرىٰ ولا ٱحطوطىٰ في الخُباسَاءِ الذي رئاسُ البيرقِ في قبضَةِ وَعيهِ فهُو الدُّهمُوثُ معدنٌ وما تأصَّلَ فيهِ من توقدِ سُطُوعٍ، وإلَّا تلكُمُ الخدعةُ الكُبرَىٰ جرضَت الطّاغِيَةَ في عَرصَتِ البُرحاءِ يُثعبُ في الفلواتِ كلَّ أنِينِ حسرَاتٍ، إلّا أنْ يكون مِن السُّفهاءِ الجَاهلِين غافلا عن البَرَاحِ كالميتِ المُسجَّىٰ بالترابِ أإن ٱندعَصَ في الرَّملةِ أو في الحمِيسِ فلا بَرَاءَة إلّا كلّ هُو الحي وفي الجامعةِ الأمِين، وٱذكرُوا إِنَّ الذِي ينقمُ على الآخرِ لمجرد نِعمَة بين يديِهِ يحسدهُ إيَّاهَا هُوَ الغريق في الطِّينِ ما لهُ من ٱستِهْلالٍ لمطلع فضَاءٍ فأيناهُ من شراعٍ لفلكِ عليَاءٍ ومَهمَا تشادَفَ في الكراهِيَّةِ فهو سواء والرُّعبُوب، كمثل حسدةِ ذي عماوةٍ بِشِيطِ ٱنفِعالٍ من وَغرٍ على المُغاير، ألآ إنَّ بين أيدِيكُم المُعتقدُ المُنهاجُ الأشملُ لخير كلّ هذهِ التي تحيونهَا ومجاهيل ما وراء الأفقِ المنظُورِ بمَا ٱطمأنَّت بِهِ النفسُ على سِكةِ الرَّحِيلِ فلا شُكْدٌ من شططِ غُنُوصٍ، البَيعةُ دلاءُ التصويتِ ألَّا يَستبد أمراءٌ وولاةٌ بالحُكْمِ فسدةٌ وإرْهَابِيّونَ، الضَّجرةُ على كلِّ مُعتدٍ أثِيمٍ فلا تضجرُوا بمرَارةٍ حين أنفارٌ من جماعاتٍ بينكم تنفخُ بأفكارٍ غرِيبَةٍ لا سَائِغةٍ لمنطقٍ وبطانتها مُهترِئة وقشرُها مزقا للرِّيحِ حين لا يقصدُون أشجارَكُم بفوُؤسٍ تقطع وبعصفٍ من نارٍ، ولكن ٱضجرُوا وبكلِّ أسىٰ حين أنتمْ عن معتقدِكُم الإِنْسِيّ وبلا فكرٍ من ٱجتهادٍ كما الخواءُ وَيْلكُمْ مُعرِضُون، ذلكُمُ الحِسَابُ الحقَّانِيّ وميدانُ التنافسِ لبقاء الأصلح لقومٍ يَتحدُون.
ٱسِرُّوا أو ٱجهرُوا أرقامَ عبوديَّتِكُمْ فلا طائرٌ فويق الأرضِ ولقبَّةِ السَّماءِ إلّا بجناحِين فهَيْهَات للزَّواحفِ إلّا الجُحُور فكلٌّ كأسهُ بين يديهِ فإمَّا غبًّا علقمًا كما الحنظلُ والكافورُ وإمَّا رشفا قراحًا كما الماءُ العذبُ وسائغُ عصِيرِ الثمارِ، ولا يكذبُ عيانهُ ومذاقَ جنبي لِسَانِهِ إلَّا عاجزٌ وأخرقٌ مَا بعد الدّهَيْمِ المأفُونِ، كالّذي زفَّ إلى الحرِيَّة فلمَّآ أشرعت أجنحتهَا ٱنقلبَ لأغطِية العُبُودةِ يَستملح فيهّا كلَّ سخامِ قيدٍ، أفوابلٌ كطلٍّ ولكن الذِين أجرمُوا في سجالِ تولِّي عناق قاتِلهم أخساءٌ يَعمهُون، والذِين أجرمُوا جعلوا مهجةَ السّلامةِ على صلِيب النحرٍ للتمزيقٍ بكلِّ فاتكِ سِلاحٍ، ما هُم بأسياد إذ بَاعُوا أنفسَهُمْ في المزاد لكلِّ طاغِيَةٍ شرِيرٍ نظائرُ بعضهم في الضّراعةِ فهُمُ الغثاءُ ما تطاولوا وهُم المهزُومُون، أُولئك الأذلاءُ تهدر جُمُوعُهُمْ كرغاوةِ السَّيلِ ومَا رهانهُم إلّا لبوار الخسرَانِ، رقباءٌ على بَعضِهِمْ بَلِ الحريُّ الثقة كلٌّ رقيبٌ على نفسِهِ وحريز، بل أغوتهُمْ طبائِعُ السُّوءِ وأخلاقُ الضُّعفاءِ تكيلهُمْ وَخزات الهُمُومِ ولامَّة التذمر للسُقُوطِ في خانقةِ الألم لمعيشةِ العسرَاءِ، وتدورُ أحداقهُمْ في العُيُونِ كجمراتٍ من النارٍ تحرقهُم وآذانهُمْ تتقطرُ الصَّدِيدَ، فلمْ يرَ قذرٌ فاسد الوليجة مِن مثل مسترقٍ السَّمع ومعاين حركة الآخرين لكشفِ سوءٍ وعوراتٍ ومُتتبعٌ لتعاور النّاس في داهِية الفِتن، ويغصُ الخائِنُ مرارةً بكلِّ نِعمةٍ تصير بَيْن يدِي غيرِهِ إذ نفسُهُ قد رَسَعَت، ولا يتمنىٰ للنَّاسِ إلّا النقمَ عليهِ دائِرَةُ السُّوءِ من منحطٍ في البهِيميَّةِ بَلْ أضلّ تفاهة مِن لاسعة البَعُوض ولا ينطقُ إلّا بفحِيحِ السُّمُومِ، فمَا حُرٌّ أبدًا وذو مروءةٍ وكرامةٍ يَرقبُ الآخرين لسوءٍ، لأنَّ مَا لأحدٍ والآخر في المبَاغضَةِ والكراهِيَّة إلا أنّهُ ناقصٌ وفي الحقارة يرتع منقع تتبُّع الآخرين، أرقيبٌ وحسيبٌ إلّا من كلٍّ من ضميرِهِ مَا لمْ يتجاوز قوانين لعقوبات كمثل الٱعتِداء على حقوق الآخرين وإلا حسبهُ مَا ٱختار لنفسِهِ لا يلتهُ أحدٌ حقهُ في الحريَّة وإنْ جانب الرّشد للغيِّ كعبَادةِ شهوةٍ يَتلهَّب فيها بٱشتهاءٍ أو جلمود حجرٍ يتسجَّدهُ أو حولهُ يَدورُ، وهلْ يرتضِي إمرُؤٌ لآخرٍ أنْ يرقبهُ مُنصِّبًا نفسَهُ عليهِ حسيبًا قاضيًا مَا لم يكن هُو في موقع المسؤولِيّة موظفا ولذات المُناط بهِ لحدودٍ لا تمس أيٍّ من حقوق، تلك مفسدةٌ والكلُّ لطاحنةِ تكفيرٍ وتنكيل، وهل ذلك الكارهُ إلَّا كمثل قوانين مكافحة وتعقب تتيح خطف النّاس بالشبهَة والمزاجيَّة من آمنةِ بيوتِهِم ومراكبِ ٱرتِحالِهِم وبدون حقّ مُساءَلةٍ من فوضَىٰ تجبرٍ وظلمٍ، إنَّ ذلكُمْ إرهابُ مُرعبٌ من شرٍّ قبِيحٍ يَفسح للجرائِمِ أنْ تنفلشَ من عقالِهَا لإطاحة الجميع في يحمُومِ كلِّ جحيمٍ.
لعبةُ الطغاةِ إذ الناسُ رقباءٌ على بعضِهِم كالظلُماتِ فوق بعضِهَا ويَتخللها دخانُ حرائِقٍ وأوهاقُ دوابٍ وسُجُونُ عذابٍ أليمٍ وموتٌ أسيفٌ، كلٌّ يُربط والآخر للزَّحفةِ فوق الأشواكِ والوحلِ لضيقِ خنادقٍ فليس إلّا الحسرات والخسران، نبضَات القلوب تئنُ في تداك فاتك سُمُوم التلوثِ والٱختناقاتِ، ظلالُ دخانٍ أدهم بأغباشِ السّخمَاءِ فيهَا يَتدافعُون، لولا بين الناسِ ثلة أحرار ما خرج العبيدُ الذين أنفسَهُم يَستعبدُون لبعض حريَّةٍ أمْ ألجِّمُوا لأقبيةِ سراديبٍ منها لا يخرجون.
ودولٌ على بعضها رقباءٌ لحسبة الشرِيرِ بلعناتٍ على الناسِ تسومهُم لكلِّ سوءِ مصيرٍ ولأضلّ من خشاشِ الأرضِ وتدرأهُم لكلِّ تخلفٍ مزرٍ ورَوذنٍ مُوهنٍ كالذي ٱجْتعَفَ وعلى الرَّوجَةِ هُو مِن عرفِ كُنهِهِ لمأفونة الرّحَاق، وهل عقبىٰ الخيرِ والمستوىٰ الأرقىٰ إلَّا للواثقِين صعودهُم وفي حياتِهِم أحرار.
ثلة مِن الذين أمنوا بنبل الحُريّة في محيا الضَّمير تبزُّ أولئك الطغاةُ لعفا الأثرِ ودكا الرَّاجِفَة تطيحُ بصَواصِيهم لمهبِّ الرِّيحِ، فلا يهولنّكُمْ كثيرُ جمعِهِمْ فكُلّمَا أشطط جَأرُهُمْ وٱنتشبت مخالبُهُمْ ٱقترب أكثر عليهم الخَسْفُ، ولا خلاص لهُم إلَّا أنْ يثوبُوا لحُرِيَّةِ أجْنِحةِ الأسرَةِ الإنسَانِيَّة الواحدة بأجنحٍ تحلقُ حرّةً في عدلِ الٱجْتِمَاع.
من كتاب أجنحة الإرادة والانتصار لمؤلفهِ :
المهندس أبو أكبر فتحي الخريشا
( آدم )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق