الرسالة الغامضة
كان الفصل خريفا ،عندما جاءت فاطمة إلى دار والديها مع أبنها ذو الثلاث سنوات، وهي حامل في شهرها الثامن. لم يبق على وضع المولود الجديد إلا أياما معدودات .فاطمة سيدة في عقدها الثالث ، متوسطة القامة ، جميلة المحيا ،قوية
الشخصية ،طيبة ،محبة للجميع ،أينما حلت تترك أثرا طيبا.أخذت قسطا من الراحة بعد سفر طويل .اجتمعت مع عائلتها في حديث مطول عن حالها وأحوالها مع زوجها و وكيف هم الجيران في تلك المنطقة،كانت تسمعهم ولكن تفكيرها مشغول بالعملية القيصرية التي ستجريها قريبا ،فكرها مشوش وكلما نظرت إلى طفلها الصغير اختنقت الدموع في مقلتيها فلا تملك إلا احتضانه بقوة .في ليلة اليوم الموعود خلدت للنوم هي وطفلها الجميل، وفي الثلث الأخير من اليوم استيقظت على صراخه : ماما لا تتركيني .. لا ترحلي ، أشعلت الضوء ضمته لصدرها ومسحت دموعه وسألته بهدوء :
- حبيبي مابك ؟ ما سبب صراخك ؟
- ماما : لا ترحلي لا ترحلي، أنا بحاجة إليك
- حبيبي لا تبكي ،أنا معك أنا بقربك
- ماما رأيتك في منامي و أنت تصعدين إلى السماء ،تركتنيني .. رحلت و بقيت وحدي.
بكت الأم بحرقة من كلام طفلها وتذكرت العملية القيصرية ،وحدثت نفسها ،هذه رسالة غامضة رسالة مشفرة لي .آه سأدخل العملية الجراحية ومنها ساغادر الى الرفيق الأعلى و تصعد روحي للسماء،أمسكت طفلها وصارت تهدؤه و آلاف الأسئلة تنخر فكرها ....نام طفلها وقد توسد ذراعها.مع أذان الفجر توضأت وقرأت بعض الأيات من القرآن الكريم، ثم حملت قلما وورقة وخطت رسالة طويلة لزوجها تطلب منه الاهتمام بطفلها الأول وكذلك الثاني ان بقي على قيد الحياة،رجته أن يهتم بهما و أن يختار لهما أما تعتني بهما ، مع كل كلمة خطتها،نزلت دموعها كحبات المطر، كانت تتمنى أن تكون رسالة ابنها مجرد حلم .
أنهت الرسالة .صلت صلاة الفجر والصبح .و مع الخيوط الأولى لليوم الموعود ،جلست مع والديها على مائدة الفطور وهي شبه غائبة عن العالم وكأنها في لحظة وداع .
على الساعة الثامنة والنصف صباحا ،ألقت عليهم التحية وقبلت طفلها الذي لم يتوقف عن البكاء، غادرت الى المستشفى و دعوات الوالدين ترافقها ،بقيت تنظر لطفلها من نافذة سيارة الأجرة إلى أن غيبها الطريق .
ألبسوها لباس العملية وكأنهم يجهزونها للرحيل الأبدي ،تنهدت بعمق واستجمعت قوتها وتوجهت لربها بالدعاء ،ولأنها خضعت للعملية عن طريق التخدير الموضعي،مرت عليها 46 دقيقة وكانها دهر من الزمن ، في كل لحظة تقول لنفسها الآن سأرحل ،الآن سأصعد للسماء...إلى أن بشرها بخروج طفلها إلى هذه الحياة ،سالت دموع الفرحة .
مرت العملية بسلام ولم ترحل فاطمة ولم تصعد للسماء. احتضنت ابنيها بين ذراعيها وحمدت الله كثيرا.
نعم لم ترحل وتترك طفليها لكن الرسالة الغامضة بقيت تنخر جسدها إلى يومنا هذا ؟ ترى متى سيكون الرحيل ؟؟ .
بقلمي فوزية الخطاب.
21.02.2025.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق