** (( بطالة))..
- من قصائدي القديمة -
أحاسيس: مصطفى الحاج حسين.
تَلُوكُني الدُّروبُ .. تَزْدَرِدُ خُطوَتي
تَتَقاسَمُني المُنعَطَفاتُ
يَزْحَمُني الرَّصيفُ .. بالبائعينَ والمُهَرِّبينَ
وتَنْهَشُني اللافتاتُ
عَمَّنْ أسألُ في الضَّجيجِ؟
وقَبْضَتي تَلتحفُ جُيوبي الخاويةَ!
عَمَّنْ أسألُ؟
وخُطوَتي تَكادُ أن تُفَارِقَني!
ومَن يُسْدِي لي التحيَّةَ؟!
عَبَثاً ..
أبْحَثُ عن فضاءٍ لِيَدَيَّ
عن عَمَلٍ لِقَلبي
وأجُوبُ المدينةَ المُغلَقَةَ
آهِ .. أيَّتُها المدينةُ المُغلَقَةُ
يا مَنِ انبَثَقْتِ مِن ساعِدَيَّ
وانتَصَبْتِ كالماردِ فوق لُقمَتي
أيَّتُها المُتَخَمَةُ بالمُتَخَمِين
دَثِّريني بالرَّغيفِ
بِهَمْسَةٍ انْفَلَتَتْ من نافِذَةٍ
هَدْهِدي أَحْراشَ حُزني
وضُمِّي لأشْجارِكِ نَجيعي
ما بَذَرْناكِ كي تَحصُدِينَا
ما أرْضَعْناكِ دَمَنا لِتَنْهَشي النَّبْضَ!
لأَجْلِكِ ابْتَكَرْنا الغِناءَ
نَحْنُ مَن شيَّدَ النَّسْغَ
مَن أعْطاكِ الاسمَ
فَهَلْ تَبخَلينَ على دَمِنا
بالاحتواءِ؟!
نُريدُ أن نَشْرَبَ ما نَزَفْناهُ
نَرْتَدي ما تَساقَطَ مِنَّا
فَلا تُوصِدي على فَمِنا الرَّغيفَ
أيَّتُها المدينةُ...
هَل أستطيعُ احْتِساءَ دَمي؟!
يا أيُّها البَلَدُ القَتيلُ
الحُلْمُ الذَّبيحُ
يا حُبُّ...
لا أَمْلِكُ لأَشْتَري حُفْنَةً من هواءٍ
ولا أَحَدَ يَشْتَري ابْتِسامتي المُتْعَبَةَ
سَرَقوا أسماءَنا
عَلَّبوا أحْلامَنا
باعوا مَصيرَ القادِمينَ
يا أيُّها البلدُ القتيلُ
كَيْفَ نُوَارِيكَ.. وأيْن؟!
غَدًا يَأتي مَن يَطْرُدُنا
يَكْنُسُ دَمَنا المُراقَ
فَهَلْ نَطْلُبُ لُجُوءًا كالجِرْذانِ؟!
ونُنْصِبُ خِيامَنا في المَقْبَرةِ؟!
كِلابًا نَحْرُسُ ثَرَوَاتِهِم
خُيُولًا تَجُرُّ دَمَنا إلَيْهِم!
نَطْلُبُ السَّوْطَ يَدًا حانِيَة
والرَّصاصَةَ لُقْمَةً
أيُّها البَلَدُ القَتيلُ...
كَيْفَ نَسْفِحُ دَمَنا وَقَدِ اسْتَنْفَذُوهُ؟!
إنَّهُم يَصْنَعُونَ مِن جَماجِمِنا طَحينَهُم
ومِن دُموعِنا نَبيذَهُم!
آهٍ... أيُّها البلدُ القتيلُ
في زَحْمَةِ الجُوعِ زاغَتْ أنْظارُنا
وَلَكِنَّنا نَذْكُرُكَ
نُصَوِّبُ نَحْوَكَ أصابِعَنا
يا بَلَدًا قَتيلًا...
تَأْكُلُنا الدُّروبُ
ونَحْنُ أَسْرابٌ تَلْجَأُ إلَيْكَ
هَلْ نَكْفُرُ بالشَّمْسِ إنْ ساطَها اللَّيْلُ؟!
هَلْ نَشْتُمُ الينابيعَ الّتي انْبَثَقَتْ مِنْ عُروقِنا؟!
وَهَلْ نُساوِمُ على رُؤانا؟!
هذِهِ البلادُ... لَنْ تُسْتَباحَ
مَهْما فَرْقَعَ الرَّصاصُ في أحْشائِها
لَنْ يَنْحَني الأُفُقُ للرُّكامِ
ولَنْ يُصْبِحَ القَمَرُ لافِتَةً للمرابين
يا بَلَدِيَ القَتيلَ...
يا بَلَدِيَ الجَميلَ...
يا بَلَدِيَ الجَميلَ.*
مصطفى الحاج حسين.
حلب عام 1986م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق