المقامر
قصة قصيرة
جميس كان رجلا صالحا، تزوج حبيبته ماريا ورزقهما الله ابنة جميلة ملائكية الهيئة...
في الصباح الباكر كان يذهب ليعمل في الحقل الذي ورثه من أهله، وخلال النهار يعمل في البقالية التي نجحت بسبب لطفه ومعاملته الحسنة مع الناس وقناعته بالربح الحلال...
ثلة من الشباب مقامرون، تآمروا عليه، وقرروا نهبه...وأخذوا يدعونه إلى سهرات في ليالي العطل، وعلموه لعب الشدة البريء، ثم تطور اللعب إلى الميسر الخفيف...
كان أصدقاؤه يجعلونه يربح كل مرة، ويقدمون له المشروبات الروحية التي تفقده صوابه، وبعدها زادت عدد السهرات الاسبوعية إلى أن أصبحت سهرات يومية...
وصار الرجل يتواجد على الطاولة الخضراء، وروح المقامرة تعشعشت في فكره وكيانه،
ولم يعد يذهب إلى أرضه، ولا يهتم في بقاليته، وصار همه ورق الميسر والتمتع في السهرات، وشرب الخمر والكحوليات...
وعندما شعر زملاؤه بأن خططهم نجحت وبات الرجل سهل المنال، بدأوا التآمر عليه وصاروا يتبادلون أوراق اللعب من تحت الطاولة... وهو مخمور...
بالاختصار: باعهم الرجل ارضه وخسر ثمنها، ثم باع البقالية وخسر ثمنها، وصار يقامر بمبالغ كبيرة حتى يسترجع خسائره، لكن هيهات لقد فاته القطار... كان يعود للمنزل يضرب زوجته إذا فتحت فاها باي كلمة...
وأخيرا حصلت الكارثة الكبيرة، باع الرجل دار سكنه...وطرد زوجته وابنته من المنزل...
ذهبت ماريا إلى دار أهلها ...الذين يساكنهم الفقر والجوع،والعجز، وجاءهم وجع جديد، مصاريف ابنتهم وحفيدتهم...
في صباح اليوم التالي، وجد أهل ماريا رسالة على الطاولة تخبرهم أبنتهم بانها ذاهبة إلى المدينة لتعمل هناك، وهي ترجوهم أن يرعوا حفيدتهم حتى تعود...
سافرت المرأة إلى المدينة... وهي لا تعرف أحدا فيها، وليس لها أي خبرة في أي نوع من الأعمال...
كانت تسير في شوارع المدينة على غير هدى، والدموع تملأ عينيها، كما إنها لا تملك نقودا حتى لتشتري رغيف خبز...
في إحدى الشوارع، صادفت باب كنيسة مفتوحا، دخلت وأجهشت بالبكاء وهي تتضرع للعذراء حتى تساعدها، غلبها النعاس وغفت على المقعد.
أيقظها الكاهن مستغربا، سردت المرأة له قصتها، تألم كثيرا لحالها، ثم أخذها إلى مخفر الشرطة وأقنعها بتقديم دعوى ضد زوجها، أرتهم آثار الكدمات نتيجة ضرب زوجها لها...
طلب الكاهن من مديره الاذن ان يبقي السيدة في الدير لتعمل مع العاملات....
أسكنوها غرفة تطل نافذتها على شارع، وصادف في الجهة المقابلة، وجود محل لبيع الزهور
تعرفت ماريا على صاحبة ذاك المحل واصبحتا صديقتين...
ثم خطر ببالها أن توزع الورد في الشوارع. طلبت من صديقتها أن تساعدها وتعيرها سلة تبيع فيها الورد، وقت فراغها في الدير.
وفعلا بدأت العمل، كانت تأتي بمال وفير أحيانا، وأحيانا لا يكفي ما تجلبه سدادا لثمن الورد الذي استلفته... وكانت صاحبة المتجر تتعاطف معها وتسامحها ولا تطالبها بالنقص...
كانت ماريا، ترسل كل ما تستطيع توفيره من المال إلى أهلها بنهاية كل شهر...
علم الزوج بحكاية الفلوس، من مكتب التحويل، وعرف المكان الذي ترسل منه زوجته المال، سافر الرجل إلى المدينة يراقب قدوم زوجته، وبالفعل جاءت المرأة إلى المكتب لتحول المال، فتبعها الزوج حتى دخلت الدير ،ولما شاهدته شهقت وصرخت، شاهد الكاهن الرجل، أتى راكضا وسألها من هذا الرجل؟
قالت: هذا هو زوجي...
رحب الكاهن بالزوج ترحيبا، وقال له تفضل استرح بغرفة الطعام. حتى نقوم بواجب الضيافة...
ظن الرجل بانه سيستمتع بزجاجة نبيذ فاخرة، أو وجبة عشاء دسمة، وكم تفاخر ووصف ذاته بالذكاء والحذاقة...
وما هي الا دقائق، حتى وصلت الشرطة، ورحبت بالرجل ترحيبا، قال له الكاهن، هم سيقومون بالواجب..
القاضي حكم على الزوج خمسة أعوام سجن. وتم تحويل اضبارته للمحاكم الشرعية حتى يتم فسخ زواجه...
أحضرت الزوجة ابنتها واسكنتها معها، ووضعتها في مدرسة الراهبات التابعة لذات الدير، وهي أفضل مدرسة بالعاصمة وبالمجان لأنهم كانوا يحبون الأم، ويحترمونها ويشكرون في عملها...
صاحبة المحل بائعة الورد، تزوجت وانتقلت من البلدة، سلمت المحل إلى صديقتها ماريا... وهذه صارت تعمل بعد انتهاء عملها في الدير وبلطفها ومحبتها حافظت على زبائن المحل بل زاد عددهم...
تحسنت اوضاعها المالية، مما مكنها من استئجار منزلا في العاصمة، فأحضرت أهلها عندها، وأخذت تعالجهم مجانا في مستشفى تابع للدير...وتحاول أن تعوضهم عن الأيام الصعبة التي عاشوها...وصارت الأبنة في كلية الطب.
كان الأب يذرف دموع الندم، على ما فعله... لكنه كان يحلم بالإفراج عنه، حتى ينتقم من زملائه الذين تآمروا عليه...
تخرج الأب من السجن وعرف بمكان زوجته وأخذ يتوسل
إليها أن يتزوجا من جديد. لكن كان ذاك مستحيلا...
لكن نتيجة رجاء ابنتها، أعطته سلة يبيع فيها الورد حتى يعيش..
مؤلف القصة:
عبده داود
الصورة من غوغل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق