الأحد، 11 سبتمبر 2022

& تقول ياما نفس الكلام & بقلم الكاتب : بكاري الاسعد

 تقول ياما :" ولدي نحنا أولاد بلاد حَرْشَة، نحمدو ربي طلعنا نعرفو نتكلمو..."

مرت سنوات طويلة و امي لا تزال تكرر نفس الكلام، و لن تعرف أنني تجاوزت مرحلة مجرد القدرة على الكلام، و أصبحت أتحدث عن الأممية و البروليتاريا و الهوموفوبيا و نظريات النشأة و التطور و أكتب نصوصا طويلة و أقرأ عشرات الكتب من فجر التاريخ إلى زمن الغبار هذا و أصاحب أناسا غريبي الأطوار و مسرحيين و شعراء و رسامين و سياسيين و نساءً يحلقن شعرهن مثل الرجال و رجالا يطيلون شعرهم مثل النساء..

امي لن تفهم ذلك و هذا طبيعي جداً..

كل ما أريد قوله لـ "ياما" رغم أنني متأكد أنها لن تفهمه لكنها ستُحسّ به، و لن يفهمه أغلب الذين يجيدون الكلام :

منذ سن الثانية عشر، تورطت في أكثر دروب الوحدة توحشا حاملا قلبي في كفي عاريا من الخوف، و كلما ضبطني العالم متلبسا بفرحة، يسلّط عليّ أشد أنواع الأوجاع و المطبات الحزينة عقابا لي على فرحي المسروق، كل ذلك كان كافيا لأكون هذا الشخص الثمل بنشوة كطفل صغير يخط سواده في وجه العالم بعينين مفتوحتين بلا ندم.......

لكنني نجحت في النجاة و في التعايش داخل كل هذا الكم الهائل من الأشخاص الذين لم يولدوا مثلنا في الظلام و رأوا التلفزيون و الراديو و استمعوا إلى فيروز باكرا جدا...

نجحت أن أكون أنا، "نا" الذي يعرفه وادِنا و تعرفه غابات الأسمنت في المدن...

تشردت كثيرا و تسكعت كثيرا و اكتأبت كثيرا و فرحت قليلا..

قاومت و حاولت ان اكون كاتبا و ان اناضل لأجل هذا الوطن الذي لا يسمع حتى بأرضنا "الحرشَة"..

لا يهم كل ذلك، لكنني كنت دائما أنا، أنا الذي عرفته يا "ياما" و الذي لا تعرفينه الآن..

الآن أقف أمامك و أمام جبلنا و وادنا و زيتوننا ، لأضحك ملئ بكائي و اصرخ:

" أنا ابن القرية و بلادي "حرشة"، لكنني أصبحت أجيد الكلام جيدا يا "ياما "، و لن يفهم أحد معنى ذلك حتماً...


( بعض الكلمات باللهجة التونسية)


الاسعد بكاري




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ قُبلةُ الموت ♕ بقلم الشاعر : البشير سلطاني

 قُبلةُ الموت  صمت أطبق على عرب وعجم وسدت أفواه على منابر ودير بنادق توزع الموت فوف أم وطفل يرتجى له طول عمر عاصفة هوجاء تنشر السموم لتروي خ...