الأربعاء، 12 يونيو 2024

♕ قصة .. الثقيل ♕ بقلم الأديب : محمد الكروي

 محمد الكروي

قصة قصيرة:

الثقيل.

    منذ اول شعاع الصباح على ظهر حماره الاشخم اللون، المتنحنح بين الفينة والاخرى تحت الثقل المضاعف، الشبيه بصخرة الواد جراء ارتخاء الرجلين الغليضتين المفلحتين في نعلين مغبرين غير المنفرجتين حول العنق، حافظ التوازن المريح، يقطع المسافة بين مقره غرب القرية وجنانه شرقا ،مرورا ببعض المقاهي من اجل فطور متقطع متنقل من طاولة الي طاولة في جمع بقايا الخبز وتقشير الخضر.

    في الحقل الى حماره يرمي بما يشبع جوعه، وعلى تموج صفير مندفع متراجع كأنفاس ناي يحثه ري عطشه، ثم الى ركن مشمس قطع الخبز ينشر.

    فرحا منتشيا يتفقد بساطه الاخضر جولة سريعة تملي عليه بداية يومه الكثير العمل، وفي مقدمتها تحريك المضخة العجوز المصابة بضيق التنفس، فالتشذيب والحفر والقلب والتسوية ونثر الحب هنا وهناك وهو يخاطب نفسه:

- سيخصص للبحيرة.

 يرتاح الرجل القوي متوسط القامة مفتول العضلات خشن الاصابع، بندورة لفحتها الاشعة مزيج حمرة وسمرة، والشمس تخطت الزوال على انتقاء خبز مع خضر طبيعي نيء للفصل وشربة ماء عذبة من البئر، ثم يستأنف الشغل بما يراه مناسبا لملء عيني حمله جزرا مشمشيا ولفتا اقحوانيا او ربيعا فواحا او برسيما طريا ختام طلعة منحنية احضان ارض ندية وهواء صاف وهدوء مريح تتخللهم زقزقات تبعث الانس والطمأنينة .

    عبر ممر اخر يلج السوق فيصرف حمله كفا تفيض دراهم يحلو له ان يدفئها ويبعثرها في جيبه وهو اصغاء كامل لرنينها مدغدغ خياله واحاسسه، يقفل عائدا الى سكنه بداية الغروب، تلبية لتلويحة خلوته مع علبة القطع النقدية التي حال بينها وبين رؤية النور و الاستمتاع بالتداول وصخب التنقل بين الايادي والجيوب، التفت وجار اخر الدرب قد وضع طعام العشاء على الكوة الجنوبية الخفية عن العين وشغب الازقة، وهو امر يثلج صدر المتباهي بثقل وصمم العلبة.

    يتناول العشاء ويغسل الماعون ليدعه فارغا قبل المغادرة في المكان المعلوم، يتكرر الامر لبضعة ايام، لاسبوع واكثر دون ان يفكر الثقيل مبادلة الهدايا، هدية سلة خضر وقطعة لحم على فاكهة، رحلة تجسد زهو وبشاشة الاناء ذهابا وايابا يتقاسمان الايخاء والمحبة.

    خاوي الجوف، حافي اليدين ذليلا يتوقف عند هذا المقهى واثنين من بعده في ميل الى رد فعل منفرد سبكته الصدفة بين برودة محتشمة وثانية ابانت عن حاجتها، بعد ان لمحت ثم افصحت عن رغبتها في ان تذوق وتقتني من عطاء ارضه الحمراء الرملية الخصبة، بلا كأس شاي يطرد ظلمة الليل ويفتح كوتي النها خاوي الوفاض مهموما مرفوعا يسوقه حماره في كلل وملل استيقظا من عبئهما وهما على باب الجنان.

    جناح كسل مكدود لم تعهده نفسه اتى جزء صغيرا مما الف في افتقار الى الطعم وراحة البال، خضم رماد الانكسار تفتقت قصيبات تجبير الامر المريحة من الهم والغم، على خمول زادت من حدته شمس لم يستغفلها بمظله، و هو يعد هدية ناس ممر الصباح رباطا متنوعا.

    تحت وطأة العياء والاختناق والجوع وحرارة غير طبيعية تقضم الجسد الممتلء المتين سيل عرق جارف يقلبه يمنة ويسرة كجريجدة في مجرى الماء.

    في غيبة طارءة قصيرة لايادي الجود ، على اقبال وادبار الزائرة يقضي الثقيل ليلته واليوم الموالي بين غيض حمى غارزة وقرقرة امعاء فارغة .

    اثار نهيق الحمار المتضور جوعا، انتباه الجار و هو عودة من سفر خاطف فهب مسرعا يدفع الباب بقوة والهذيان ليطرق سمعه وسط عتمة اجهز عليها دخول هواء جديد، في سرعة البرق دق العرعار واوراق الورگية والخل ساقيا مسام الجسد المتفور بهذا الخليط البارد الفعال مرتين متتابعتين خلفتا فتاتا يابسا، ثم قدم قدحا من الحريرة المنسمة اعشابا مختلفة اخمدت في سند ثنائي اللهيب المشتعل ظاهرا وباطنا، تبعها بلول مبرج بالخضر وعبق لحية الشيخ و فلفل ومسواك لحم وشحم اشبعوا نهم الأكول. 

محمد الكروي 12/06/2024



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ يُــــكـــبِّـلُـــنـــا الـــقَــــهْــــر ♕ بقلم الشاعر : حبيب كعرود

 يُــــكـــبِّـلُـــنـــا الـــقَــــهْــــر تــرى الـعيْـن من غََــزة صُـــورا يَــزيد لــبشَـاعتها الـوجَــع و للأصْــوات في الأذْن ألَـــ...