( خرق أمنى )
قصة قصيرة
بقلم/ مصطفى علاء بركات
أنهى ( فريد ) عمله هذا اليوم مبكراً ؛ منذ بداية الأسبوع وهو يخطط للإنصراف سريعاً هذا اليوم ، لم يجلس مع أسرته هذا الأسبوع إلا دقائق معدودة ، يعود متأخراً متعب الجسد ليس عنده أى طاقة أو قدرة على الكلام أو حتى الإستماع - برغم إزدحام الشارع أغمض عينيه فى هدوء أرجع رأسه للخلف يستشنق الهواء بقوة وراحة فتح عينيه فى هدووء ، إنتفض كل جسده اهتزت رجلاه وسرت فيه رعشة شديدة من أسفل إلى أعلى ، أمعن النظر مرة أخرى كان ذلك المبنى الأسود الضخم الذي دائمًا ما تنعكس أشعة الشمس على زجاجة الداكن من شدة لمعانه ، و قيام الشركة الحكومية المختصة بتظيفه أكثر من مرة خلال اليوم - كان هناك بالأعلى جندى بثياب عسكرية و خوذة معدنية و نظارة ضخمة عريضة مثل ما يضعها سائقى الدراجات البخارية فى ماراثون سباق السرعة ، و أمامه بندقية سوداء يصل طول ماسورتها الى حوالى نصف متر و مثبتة على حامل معدنى و فوقها منظار طويل تخرج منه نقطة ليزر حمراء ، إنكب فوقها الجندى بكامل جسده ثم تراجع للخلف و نزل للأسفل قليلاً و استعد للضغط على الزناد ... لم يتمالك نفسه ، نظر هنا و هناك - كان الشارع ممتلىء بالمارة و السيارات بطيئة متلاصقة تترقب إشارة ضابط المرور الشاب ،فالإشارات الإليكترونية تضىء طوال الوقت فقط باللون الأصفر ، لم يتم إصلاحها منذ أكثر من شهر ، جرى نحو الضابط و هو يتصبب عرقاً و يحاول الصراخ ، قفز عليه جنديان من اليسار حاول دفع أحدهما بعيداً عنه فقفز الأخر على ظهره ، ليسقط ( فريد ) على بطنه على الأرض ، وقف الأول على ركبتيه و أحاط رقبته بذراعه ووضع عصاه المعدنية فوق رأس ( فريد ) ، أخرج الضابط الشاب سلاحه و صوبه نحو ( فريد ) الذى حاول رفع يده التى أعتصروها على الأرض ليشير الى القناص بالأعلى ، كاد أن يختنق و هو يحاول فتح فمه ليتكلم فعاجلته لكمة قوية ، شعر الضابط بكلمات تتردد من السائقين و البعض يصور بكاميرات الهواتف المحمول أمرهم أن يأخذوه داخل الوحدة و فتح الطريق المزدحم لتبتعد تلك السيارات
انطلق صوته و هو يتألم
- يا فندم هناك بالأعلى .. هناك و هو يحاول رفع أصبعه و الجندى يضغط على ذراعه للأسفل ،
تراجع الضابط للخلف ببطء و نظر للأعلى بالخارج بحذر شديد - كان القناص واضحاً تماماً بثيابه الداكنة و سلاحه الطويل مع شمس الرابعة عصراً ، ظهر القلق على وجه الضابط الشاب و أخرج هاتفه المحمول و نظر له بريبة و أمر بتفتيشه للتأكد من أنه غير مسلح ، قام الجنود بالقائه بعنف على الأرض و أمروه بصوت مرتفع أن يرفع يديه لأعلى ، أدخلوا يديه فى كل شبر من جسده ، تناثرت أزرار قميصه العلويه و هم يبحثوا داخله عن سلاح أبيض
،، بعد عدة دقائق عاد الضابط و هو يتحاشى النظر لوجه ( فريد )
- يمكنك الانصراف .. الآن
تحامل على ركبته متألما و قام ببطء نحو الضابط
أنصرف ! لقد جئت أبلغ عن مجرم يقتل .. لقد شاهدته و هو يعد بندقيته .. و يده .. يده على الزناد !!
نظر الضابط لأعلى جهة اليسار
- لا يمكننى التحدث فى الأمر ، السُلطات سوف تقوم بما يلزم
- ماذا تقول ؟ ؟ أي سُلطات .. سيموت أحد الأن
مسح الضابط وجهه من عينيه الى رقبته
و هو يقول بصوت منخفض
- إذا سمحت .. تفضل الأن
- لن أمشى من هنا .. ألن تفعل شيئاً !!
ألقى الضابط سلاحه بعنف على المكتب
- نعم لن أفعل شيئاً .. و صرخ مرة أخرى بصوت مرتفع : لن أفعل شيئًا .. أتعرف لماذا ؟
استلمت الخدمة هنا من أسبوعين .. لأن زميلى السابق تم نقله بدون أى أسباب .. و عندما سألت
لم أفهم شيئًا.. قالوا ضحايا ماتوا... إصابات فى منتصف الجبهة .. وضرب بقبضته بقوة على المكتب مرتين .. لم أفهم شيئاً
- اذن لماذا تتركوه ! انه أمامكم .. أدخلوا هذا المبنى و اقبضوا عليه
جز الضابط على أسنانه
- لا يمكن دخول هذا المبنى ..انه خاص بسفارة دولة أجنبية .. لابد من إذن من الحكومة الرسمية للدولة
أشار المبنى الذى إزداد سواداً مع قرب غروب الشمس
- أنظر للجهة الخلفية
نظر ( فريد ) كان هناك طائرتين هليكوبتر تدور بشكل مستمر حول المبنى و تخرج من أسفلها رشاشات معدنية بارزة
- لو قمنا بأى تدخل ..يسمح لهم أن يستعملوا كافة الأسلحة و الذخائر
- كيف يسمح لتلك الطائرات المسلحة بالدوران هكذا و التواجد داخل البلد !!
ابتسم الضابط فى مرارة
- أستاذ ( فريد ) .. انها اتفاقيات دولية عالمية المستوى .. لا أنا و لا وزير الداخلية نفسه .. يمكنه فعل أى شىء !
تلقى اللاسلكى إشارة : قوة 112 تتحرك نحو شارع السلام ، مصاب بطلقة فى الرأس شاب فى العشرين ، التحرك بسرعة و إحتواء الموقف .. نفذ .
إتسعت عينا ( فريد ) و هربت الدماء من وجهه صار فى لحظة شاحباً أصفر اللون ، وقعت عيناه على السلاح الخاص بالضابط ، إنقض عليه و قفز خارج الوحدة و جرى بسرعة شديدة وسط السيارات ، انطلق نحو المبنى الداكن ، رأى حارسان ضخام الجثة مرتديان بذلات سوداء كاملة رفع المسدس و أطلق طلقات عشوائية هنا و هناك ، سقط أحدهم على الأرض و شعر الأخر برعب شديد و رفع يده ، قفز داخل المبنى و أخذ المصعد بعد أن دفع الحارس بعنف و ضغط على الزر الأخير ، ركل الباب بقدمه و خرج قابضاً على المسدس الحكومى بكلتا يديه ، نظر يمينا ً و يساراً يبحث عن القاتل الأجنبى ، كان يلهث بشدة و نبضات قلبه مرتفعة جدا تراها عبر ثيابه المقطعة ، سمع صوت محرك الهليكوبتر المزعج يقترب فوق رأسه من بعيد ، اشتعلت منه أضواء صفراء على شكل دائرة كبيرة أحاطت به
وجد أمامه مجموعة من الجنود و رجل أشيب الرأس كث الشارب يقف منتصباً و الغضب الشديد على وجهه و هو يصرخ فى الجنود
ماذا تنتظرون ؟!
ارتبك الجنود ، تراخت يد ( فريد) للأسفل
و شعر بألم شديد فى صدره ، كان الرجال يتحدثون لغته ، يشبهونه إلا انهم أكثر قتامة و برودا
سمع ( فريد ) الضابط الأشيب يتفوه بلفظ شعبى بذىء ، ثم قفز فوقه و طرح السلاح من يده
، من شدة القفزة و سرعتها سمع ( فريد ) صوت تمزق بنطال القائد العجوز من أعلى فخذيه كانت رأس فريد تحت ركبته الأخرى ، و قبل أن يغيب عن الوعى حاول رفع رأسه بضعف فسمع أصوات تكسر عظام ظهره ، و تناهى الى أذنيه صوت إعتذارات و أسف شديد ووعود مغلظة ، بأنهم سيبذلوا أقصى جهدهم لئلا يتكرر هذا الخرق الأمنى مرة أخرى .
( تمت )
الكاتب / مصطفى علاء بركات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق