الحياة قصة قصيرة
إطلالة
ل عبادى عبدالباقى
الحياة قصة قصيرة
التهيئة :-
الدنيا ساعة فاجعلها طاعة.
هنيئا لمن عرف حقيقة الدنيا فتعامل معها على أنها محطة انتظار لا مكان قرار، وأنها دار ممر لا دار مقر ، وأن عيشها كبد لا نعيم أبد ، وأنها دار عمل وصبر لا دار راحة وأجر .
هنيئا ثم هنيئا لمن جعل حقيقة الموت منه على بال ، ثم نظر في الخواتيم معتبرا ، فسعى لحسن الخاتمة ، فنالها .
أولا :-
مفهوم الغفلة :-
الغفلة أو السذاجة أو عدم الفطنة و قلة التمييز ، وهي سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ .
إن الغفلة حجاب عظيم على القلب يجعل بين الغافل وبين ربه وحشة عظيمة لا تزول إلا بذكر الله تعالى . وإذا كان أهل الجنة يتأسفون على كل ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها، فما بالنا بالغافل اللاهي؟!!
والغفلة عن أمر الله وطاعته لها أثر سلبي كبير على المسلم وهي أصل جميع الذنوب فبسببها يقسو قلبه ويغضب الله عليه ويغلبه الشيطان نفسه فيسوف التوبة ويقع في كبائر الذنوب ويقصر في الطاعات.
ثانيا :-
غفلة القلب :-
هي عدم إرادة الخير قصدا، وعدم محبته مع خلو القلب من العلم النافع، والعمل الصالح، وهذه هي الغفلة التامة المهلكة، وهي غفلة الكفار والمنافقين، التي لا يفلح المرة معها إلا بالتوبة إلى الله ؛ ولا يتبع الإنسان إذا استولت عليه إلا الظن وما تهواه نفسه، ويزينه له شيطانه، ويحبه هواه من الشهوات .
ثالثا :-
أسباب الغفلة :-
١- حب الدنيا:-
فحب الدنيا رأس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة والغفلة هي ثمرة حب الدنيا قال تعالى:-
" وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)" (الروم).
٢- الجهل بالله عز وجل:-
من أعظم أسباب الغفلة الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، والحق أن كثيرا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفة ما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلب تعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي المؤمن أن يراه ربه على معصية، أو أن يراه غافلا.
٣- المعاصي:-
هي من أعظم أسباب الغفلة، قال الله عز وجل:-
"كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” المطففين" .
٤- صحبة السوء :-
والعرب تقول الصاحب ساحب، والطبع يسرق من الطبع ، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء :-
"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً *يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً"
(الفرقان : - ٢٧-٢٩).
٥- طول الأمل :-
فيعيش في الدنيا وهو يظن أنه لن يفارقها فهو مقبل عليها غافلا عن آخرته، قال الله تعالى:-
" ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ "
(الحجر :- ٣).
٦- كثرة الكلام في غير ذكر الله تعالى:-
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
"لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي" …
رواه الترمذي.
٧- الغفلة عن الموت والدار الآخرة :- وقد أخبر الله عن هذا الصنف بقوله:- "إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" …
(يونس :- ٧- ٨).
وقد نقل ابن كثير رحمه الله أن أشعر الناس أبو العتاهية حيث قال :-
«الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحنُ» .
رابعا :-
الفرق بين الغفلة والنسيان :-
أن الغفلة ترك باختيار الغافل .
والنسيان ترك بغير اختياره .
ولهذا قال تعالى :-
ولا تكن من الغافلين ولم يقل ولا تكن من الناسين ، فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف فلا ينهى عنه .
والذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان .
خامسا :-
عواقب الغفلة :-
أن الغفلة عن أمر الله وطاعته لها أثر سلبي كبير على المسلم وهي أصل جميع الذنوب فبسببها يقسو قلبه ويغضب الله عليه ويغلبه الشيطان نفسه فيسوف التوبة ويقع في كبائر الذنوب ويقصر في الطاعات
سادسا :-
موت الغفلة :-
في العصر الحاضر ، نلحظ تزايد حالات الموت الفجائي الذي لا يمهل صاحبه، ونستطيع القول أن مظاهر وأسبابا جديدة قد برزت إلى الوجود، وكلها ترتبط بظاهرة الموت الفجائي وتسببه.
« الناس في دار سهو وغفلة، يعملون ولا يعلمون، فإذا صاروا إلى دار الآخرة صاروا إلى دار يقين يعلمون ولا يعملون » .
وإن من الأمور الخطيرة هي الغفلة عن آيات الله الكونية، وعظاته الربانية التي يلفت بها عباده، ولهذا فإن الغفلة عن هذه الآيات والعظات سبب في حلول العقوبات الربانية كما قال ربنا جل وعلا:-
"ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ"
[الأنعام١٣١]،
ويقول سبحانه:-
"فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ"
[الأعراف١٣٦]،
هذا هو موت الفجأة، وانسلال الروح على حين غرة، فلا مقدمات ولا علامات، ولا أمارات ولا دلالات، ولا إمهال ولا إخطار، فليحذر كل الحذر المتهاونون الغافلون، الذين غرهم طول الأمل، وغرهم بالله الغرور، ولينتبه المسوفون للتوبة، والمنشغلون بحطام الدنيا ومتاعها، ولا بد من المحاسبة الجادة للنفس والعودة إلى الله تعالى، قبل أن يفجأ الموت.
قال الله تعالى:-
" أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين* أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين* أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}
(الزمر:٥٦-٥٨).
سابعا :-
علاج الغفلة :-
اليقظة من الغفلة أول مفاتيح الخير؛ وتتحقق بامتثال أوامر الله ورسوله، ومما يوقظ منها تلاوة كتاب الله العظيم؛
(هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين)،
والمحافظة على الصلوات الخمس مما ينجي من الغفلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:-
" من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات؛ لم يكتب من الغافلين"
(وراه ابن خزيمة)،
وقيام الليل ولو بآيات قليلة زكاة من الغفلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:-
" من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين"
(رواه أبو داود)،
وحِلق القرآن والسنة ومجالس العلم تزيل الغفلة عن القلوب؛ قال ابن القيم رحمه الله:-
" مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فلتخيّر العبد أعجبهما إليه، وأولاهما به؛ فهو مع أهله في الدنيا والآخرة"،
والغفلة حجاب بين العبد وربه، والذكر يزيل ذلك الغطاء، ويطرد الشيطان. قال تعالى :-
"واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين"؛
وأداء العبادات في الأوقات التي يغفل عنها الناس مما ينجي من الغفلة، والتوبة سبب طهارة القلب، والسلامة من الغفلة قال النبي صلى الله عليه وسلم:-
" إنّ العبد إذا أخطأ خطيئة؛ نكتت في قلبه نكتة
- أي نقطة-
سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب؛ سقل قلبه" أي محيت عنه تلك النقطة"
(رواه الترمذي)؛
والموت موعظة صامتة، والإكثار من ذكره صلاح للقلب، وسلامة من الغفلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق