الأحد، 26 يناير 2025

♕ قراءة نقدية لنص « لقاء الأحبه » للشاعر حمود محمد دادية ♕ بقلم الناقد : د. محمد سليط

 القراءة النقدية الموسعة 

بقلم الشاعر والناقد الاردني 

دكتور محمد سليط 

أشراف الشاعرة المصرية 

دكتورة أيمان محمد

القصيدة بقلم الشاعر اليمني

حمود محمد داديه


عنوان القصيدة 


(لقاء الأحبه )

لقيت ذي قد سلب عقلي 

وخلاني سقيم هايم 

انا خله وهوه خلي 

ولا كن القدر ضالم 

لقيته وعتزم وصلي 

وسرنا في فلك غايم 

وحين تم الوصال قلي 

الا ليت الوصال دايم 

بحبه سرت انا مبلي 

برغم الوم ولايم 

هجرت الكل حتى اهلي 

لاجله سرت انا صايم 

نهاري مثل ماليلي 

هيامي جالس او قايم 

وفي ليلة لقيت خلي 

لقيته مثل طير حايم 

حضنته واحتضن نهلي 

وغيم حبنا غايم 

فعنقته على مهلي 

وقلبه سيل بيلاطم 

وبعدا ذاب من حولي 

وربي وحده العالم 

بما كان بيننا علي 

وغيره مالنا حاكم 

وذاب الخل من حولي 

ويسمعني ونا كلم 

وفجئه اعتنق ظلي 

ولحظه ونه نايم 

أمن ورتاح من قولي 

فهوه فاهم وانا فاهم 


هذه القصيدة الجميلة من بحر المتقارب، وهو من البحور الصافية (أي يتكون من تفعيلة واحدة تتكرر).


التفعيلة الأساسية: فَعُولُنْ


الوزن: فَعُولُنْ فَعُولُنْ فَعُولُنْ فَعُولُنْ (في كل شطر)


القافية: مطلقة، موحدة على حرف الميم المكسورة (مِ) في معظم الأبيات، مع بعض التغييرات الطفيفة مثل (لي) و (بي). وهذا ما يُعرف بـ القافية الموحدة المطلقة.


جدول الوزن والتقطيع العروضي (لبعض الأبيات كمثال):


سأقوم بتقطيع بعض الأبيات لتوضيح الوزن:


لقيتُ ذي قد سلب عقلي:


لَقي تُ ذي قدْ / سلَبْ عقْ لي


فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ / فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ


وخلاني سقيم هايم:


وخَلْ لا ني سقي / مُنْ ها يمُ


فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ / فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ


أنا خلُّه وهو خلي:


أنا خلْ لُ هوَ / وخلْ لي


فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ / فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ


ولكنَّ القدر ظالم:


ولَ كنْ نلْ قدَ / رُ ظا لمُ


فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ / فَعُو لُنْ فَعُو لُنْ


ملاحظات حول البحر والقصيدة:


بحر المتقارب: سمي بالمتقارب لتقارب أجزائه (التفعيلات). يتميز بإيقاعه السهل والعذب، وهو مناسب للأغراض الغنائية والتعبير عن المشاعر الرقيقة.


القافية المطلقة: تعني أن حركة الحرف الأخير من القافية (الروي) غير مقيدة بحركة معينة. هنا، الروي هو الميم المكسورة، ولكن نلاحظ بعض التنوع في الحركة التي تسبقها (مثل الياء في "خلي" و "بي").


التروي: في علم العروض، التروي هو آخر حركة في البيت، وهي هنا حركة الميم المكسورة (الياء).


حركة الروي

مقيد


استخدام الشاعر: استخدم الشاعر هذا البحر والقافية بشكل جيد للتعبير عن مشاعر الشوق والوجد والحب. الإيقاع السلس والقفية الموحدة أعطيا القصيدة نغمة متدفقة ومؤثرة.


ملخص:


القصيدة من بحر المتقارب، وقافيتها موحدة مطلقة على حرف الميم المكسورة. هذا البحر يتميز بإيقاعه العذب والمناسب للتعبير عن المشاعر. وقد وظّف الشاعر هذه العناصر بشكل جيد في قصيدته.


تحتوي قصيدة "لقاء الأحبة" على صور فنية جميلة ومتنوعة، تعكس عمق المشاعر التي أراد الشاعر التعبير عنها. إليكم بعضًا من أبرز هذه الصور مع شرحها:


"لقيت ذي قد سلب عقلي": هنا استعارة مكنية، حيث شبّه المحبوب بشخص يسلب العقل، مما يدل على شدة تأثيره وهيمنته على تفكير الشاعر.


"وخلاني سقيم هايم": تشبيه ضمني، حيث يشبه الشاعر حالته بعد فراق المحبوب بحالة المريض الهائم على وجهه، وهذا يعكس مدى الألم والمعاناة التي يعيشها.


"أنا خله وهو خلي": جناس تام بين كلمتي "خله" (بمعنى محبوبه) و "خلي" (بمعنى فارغ أو وحيد)، وهذا الجناس يعكس حالة الوحدة والاشتياق المتبادل بين الطرفين والهيام.


"ولكن القدر ظالم": تشخيص للقدر، حيث صوره كشخص ظالم يتحكم في مصائر الناس، وهذا يعكس إحساس الشاعر بالعجز أمام قوة القدر.


"سرنا في فلك غايم": استعارة تصريحية، حيث شبه حالة الحب والعلاقة بينهما بفلك غائم، وهذا يدل على الغموض وعدم اليقين الذي يحيط بمستقبل هذه العلاقة.


"إلا ليت الوصال دايم": تمني، يعكس شوق الشاعر وشدة رغبته في استمرار الوصال وعدم انقطاعه.


"بحبه سرت أنا مبلي": استعارة مكنية، حيث شبّه الحب ببلاء يصيب الإنسان، وهذا يعكس مدى تأثير الحب وقوته على حياة الشاعر.


"هجرت الكل حتى أهلي/ لأجله سرت أنا صايم": مبالغة، حيث بالغ الشاعر في وصف تضحيته من أجل المحبوب، حيث هجر أهله وأصبح كالصائم عن كل شيء إلا عن حبه.


"نهاري مثل ماليلي/ هيامي جالس أو قايم": تشبيه تام، حيث شبه نهاره بليله من حيث طول مدة الشوق والتفكير في المحبوب، سواء كان جالسًا أو قائمًا.


"لقيته مثل طير حايم": تشبيه ظاهر، حيث شبه المحبوب بطائر يحوم في السماء، وهذا يعكس شوقه وحنينه وربما قلقه.


"وغيم حبنا غايم": تكرار لكلمة "غايم" مع اختلاف المعنى، حيث الأولى تصف حالة الحب والثانية تصف حالة الجو، وهذا يخلق ترابطًا بين الحالة النفسية والعالم الخارجي.


"وقلبه سيل بيلاطم": استعارة مكنية، حيث شبه قلب المحبوب بسيل يلطم، وهذا يعكس شدة انفعاله واضطرابه.


"وبعدا ذاب من حولي": استعارة مكنية، حيث شبه المحبوب بشيء يذوب من شدة الشوق أو التأثر، وهذا يعكس مدى قوة اللقاء وتأثيره عليه.


"اعتنق ظلي": استعارة مكنية، حيث شبه الظل بشخص يعتنق، وهذا يدل على شدة الاندماج والاتحاد بينهما.


"أمن ورتاح من قولي/ فهو فاهم وأنا فاهم": كناية عن التفاهم العميق والانسجام الروحي بينهما.


بشكل عام:


تتميز القصيدة بتنوع الصور الفنية بين تشبيه واستعارة وجناس وكناية، مما أضفى عليها جمالًا وعمقًا. وقد وظّف الشاعر هذه الصور ببراعة للتعبير عن مشاعر الشوق والوجد والحب والاتحاد بين المحبين. كما نلاحظ استخدامًا مكثفًا للاستعارة المكنية، مما يدل على قدرة الشاعر على التخيل والتصوير.


سأقوم بتحليل القفز اللغوي في قصيدة "لقاء الأحبة" مع التركيز على عناصر السيماتيكا (علم الدلالة)، والديلتيك (التداولية)، والأنتميكا (التضمين)، والتناص.


مقدمة:


القفز اللغوي يشير إلى الانتقال المفاجئ أو غير المتوقع في استخدام اللغة، سواء على مستوى المعنى أو التركيب أو السياق. يهدف هذا الأسلوب إلى إثارة الانتباه، وإضفاء الغموض، أو خلق تأثير جمالي أو فكري.


تحليل القصيدة:


رغم أن القصيدة تتميز بسلاسة اللغة ووحدة الموضوع، إلا أن هناك بعض الجوانب التي يمكن اعتبارها قفزات لغوية، خاصة عند النظر إليها من زوايا السيماتيكا والديلتيك والأنتميكا والتناص:


1. السيماتيكا (علم الدلالة):


تداخل المعاني المجردة والحسية: ينتقل الشاعر بين وصف المشاعر المجردة (مثل الحب، الشوق، الوصال) وبين صور حسية ملموسة (مثل "طير حايم"، "سيل بيلاطم"، "ذاب من حولي"). هذا التداخل يخلق قفزة دلالية، حيث يجسد المعاني المجردة في صور حسية، مما يزيد من قوة التعبير وتأثيره. مثال: "وقلبه سيل بيلاطم" حيث يجسد اضطراب القلب بصورة حسية متمثلة في السيل.


استخدام الكلمات ذات الدلالات المتعددة: بعض الكلمات تحمل أكثر من معنى، مما يفتح المجال لتأويلات مختلفة. مثال: كلمة "غايم" التي استخدمها الشاعر لوصف الفلك والحب، تحمل معنى الغموض وعدم الوضوح، وكذلك معنى السحاب الملبد. هذا الاستخدام يخلق قفزة دلالية، حيث يربط بين حالتين مختلفتين (حالة الجو وحالة الحب).


2. الديلتيك (التداولية):


تغيير مستوى الخطاب: ينتقل الشاعر بين وصف حالته الشخصية (مثل "أنا خله وهو خلي") وبين مخاطبة المحبوب بشكل مباشر (مثل "حضنته واحتضن نهلي"). هذا التغيير في مستوى الخطاب يخلق قفزة تداولية، حيث ينتقل من وصف الذات إلى الحوار، مما يزيد من حيوية النص وتفاعله مع القارئ.


استخدام أفعال الكلام: يستخدم الشاعر أفعال كلام متنوعة، مثل الوصف ("لقيت ذي قد سلب عقلي")، والتمني ("إلا ليت الوصال دايم")، والإخبار ("وربي وحده العالم"). هذا التنوع يخلق قفزة تداولية، حيث يغير وظيفة اللغة من وصف إلى تمني إلى إخبار، مما يزيد من ثراء النص وتنوعه.


3. الأنتميكا (التضمين):


تضمين صور شعرية تقليدية: يستخدم الشاعر بعض الصور الشعرية التقليدية في الشعر العربي، مثل تشبيه المحبوب بالقمر أو بالشمس، أو وصف الشوق بالنار. هذا التضمين يخلق قفزة أنتميكية، حيث يربط النص بنصوص أخرى سابقة، مما يضفي عليه عمقًا ثقافيًا وتاريخيًا. مثال: تشبيه المحبوب بالطير الحائم يوحي بصور شعرية قديمة عن الشوق والحنين.


تضمين معانٍ دينية: استخدام عبارة "وربي وحده العالم" يضفي بعدًا دينيًا على النص، حيث يربط الحب بمشيئة الله وقدره. هذا التضمين يخلق قفزة أنتميكية، حيث يربط النص بإطار مرجعي ديني.


4. التناص:


التناص مع نصوص الحب في الشعر العربي: يمكن ملاحظة بعض التشابهات بين صور الشوق والوجد في هذه القصيدة وصور مماثلة في الشعر العربي القديم والحديث. هذا التناص يخلق قفزة لغوية، حيث يربط النص بنصوص أخرى، مما يثري معناه ويزيد من تأثيره. على سبيل المثال، فكرة الذوبان من الشوق موجودة في العديد من النصوص الشعرية العربية.


أمثلة محددة للقفز اللغوي في القصيدة:


الانتقال من وصف الوحدة ("أنا خله وهو خلي") إلى وصف اللقاء الحسي ("حضنته واحتضن نهلي"): هذه قفزة لغوية تجمع بين حالة نفسية مجردة (الوحدة) وتجربة حسية ملموسة (العناق).


استخدام صورة "الظل الذي يعتنق": هذه صورة غريبة وغير مألوفة، تخلق قفزة لغوية من خلال تجسيد الظل كشخص يعتنق، مما يعكس شدة الاندماج والاتحاد بين المحبين.


الخلاصة:


القفز اللغوي في هذه القصيدة ليس صارخًا أو مفاجئًا، بل هو عبارة عن انتقالات دقيقة بين مستويات المعنى والخطاب والصور الشعرية. هذه الانتقالات تساهم في إثراء النص وتعميق معناه وتأثيره، وتعكس قدرة الشاعر على استخدام اللغة ببراعة وابتكار.


تحليل "لحظة توقف الزمن" 

في قصيدة

"لقاء الأحبة"

يتطلب فهمًا دقيقًا لكيفية

تعامل الشاعر مع مفهوم الزمن وتصويره لهذه اللحظة الفارقة. يمكن تلمّس توقف الزمن في القصيدة من خلال عدة جوانب:


1. التركيز على اللحظة الراهنة:


يهيمن الحاضر على القصيدة، حيث يركز الشاعر بشكل مكثف على لحظة اللقاء الحالية. استخدام الأفعال الماضية القريبة ("لقيتُ"، "حضنته") وبعض المضارعة التي تعبر عن حالة مستمرة ("هيامي جالس أو قايم") يساهم في تكثيف الشعور بالآنية. هذه الآنية تخلق إحساسًا بتوقف الزمن، حيث يصبح كل شيء مركزًا في هذه اللحظة، ولا يعود الماضي والمستقبل ذوي أهمية.


2. وصف المشاعر المكثفة:


المشاعر القوية التي يصفها الشاعر، مثل الشوق العميق، الوصال المنتظر، الانفعال الشديد ("وقلبه سيل بيلاطم")، والاندماج الروحي ("اعتنق ظلي")، تساهم في إحداث تأثير "توقف الزمن". عندما يغرق الإنسان في تجربة عاطفية قوية، يميل إلى فقدان الإحساس بالوقت، حيث يصبح تركيزه منصبًا بالكامل على هذه التجربة.


3. استخدام الصور الحسية المكثفة:


الصور الحسية القوية التي يستخدمها الشاعر، مثل صورة الطائر الحائم ("لقيته مثل طير حايم")، وصورة السيل الهائج ("وقلبه سيل بيلاطم")، وصورة الذوبان ("وبعدا ذاب من حولي")، تساهم في خلق عالم حسي مكثف يحيط باللحظة. هذا العالم الحسي المكثف يجذب الانتباه بالكامل، مما يساهم في إحداث إحساس بتوقف الزمن.


4. تجاوز البعد الزماني والمكاني:


في بعض الأبيات، يتجاوز الشاعر البعد الزماني والمكاني. على سبيل المثال، في بيت "نهاري مثل ماليلي/ هيامي جالس أو قايم"، يدمج الشاعر بين النهار والليل، مما يلغي الإحساس بتتابع الوقت. كذلك، في بيت "اعتنق ظلي"، يتجاوز الشاعر البعد المادي، حيث يندمج المحبوبان في وحدة روحية تتجاوز حدود الجسد. هذا التجاوز للبعد الزماني والمكاني يساهم في خلق إحساس بتوقف الزمن.


5. التأكيد على الأبدية:


التمني في البيت "إلا ليت الوصال دايم" يعكس رغبة الشاعر في تخليد لحظة الوصال. هذه الرغبة في الأبدية تساهم في إحداث إحساس بتوقف الزمن، حيث يصبح الهدف هو الحفاظ على هذه اللحظة إلى الأبد، بدلًا من الانتقال إلى لحظات أخرى.


أمثلة محددة في القصيدة تدل على توقف الزمن:


"وفي ليلة لقيت خلي/ لقيته مثل طير حايم": الليلة هنا ليست مجرد وقت، بل هي إطار مكثف للقاء، وصورة الطائر الحائم تزيد من كثافة اللحظة.


"حضنته واحتضن نهلي/ وغيم حبنا غايم": العناق هنا يمثل ذروة اللقاء، وتغيم الحب يحيط باللحظة، مما يعزلها عن الزمن الخارجي.


"وبعدا ذاب من حولي/ وربي وحده العالم": الذوبان هنا يمثل تجاوزًا للحدود المادية، والرجوع إلى علم الله وحده يضفي على اللحظة بعدًا أبديًا.


"اعتنق ظلي/ ولحظه ونه نايم": هذه الصورة تمثل ذروة الاندماج والوحدة، حيث يتحد المحبوبان حتى على مستوى الظل، وتصبح اللحظة شبيهة بالنوم، أي حالة من اللاوعي بالزمن.


الخلاصة:


توقف الزمن في قصيدة "لقاء الأحبة" ليس توقفًا ماديًا، بل هو توقف نفسي وشعوري، ناتج عن كثافة المشاعر وقوة التجربة. ينجح الشاعر في خلق هذا الإحساس من خلال التركيز على اللحظة الراهنة، ووصف المشاعر المكثفة، واستخدام الصور الحسية القوية، وتجاوز البعد الزماني والمكاني، والتأكيد على الأبدية في النص والمقصود هنا أبدية الحرف سبحان الله خالق القلم. هذه العناصر تجتمع لتخلق لحظة فريدة معزولة عن الزمن الخارجي، لحظة تحتفظ بجمالها وقوتها إلى الأبد الوصفي الذي لا يتعدى حدود الله في ذاكرة الشاعر والقارئ.

القراءة النقدية بقلم د محمد سليط الأردن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

♕ رحلة النور و اليقين "الإسراء و المعراج " ♕ بقلم الشاعرة : وفاء الزعيمي

 رحلة النور و اليقين          "الإسراء و المعراج " في ليلةٍ  تَجَلى  فيها   النورُ  ساطعًا و  انفَجَرَ الكونُ  عن  إشراقِ   رؤاها ...