مفهوم "الاختلاف من أجل الوطن، لا معه ولا عليه في كتابات غابرييل غارسيا ماركيز يمكن فهمه على أنه موقف نقدي ومستقل تجاه فكرة الوطن والسلطة المرتبطة به، مع الحفاظ في الوقت نفسه على شعور بالانتماء أو الاهتمام بمصير المجتمع والأرض.
لا يعني هذا الموقف بالضرورة معارضة الوطن بشكل مباشر أو الوقوف ضده، ولكنه أيضًا يرفض التماهي الكامل أو الولاء الأعمى للسلطة الحاكمة أو التفسيرات الرسمية للوطنية. إنه موقف يسعى إلى مساءلة هذه المفاهيم وتقديم رؤية بديلة أو أكثر تعقيدًا.
يمكن تلمس هذا المفهوم في كتابات ماركيز من خلال عدة جوانب:
1. نقد السلطة والأنظمة الحاكمة:
كما ذكرنا سابقًا، ينتقد ماركيز بشدة في أعماله الأنظمة الاستبدادية والفساد السياسي الذي غالبًا ما يرتبط بفكرة "الوطن" كأداة للسيطرة والقمع.
شخصياته غالبًا ما تكون ضحايا لهذه الأنظمة أو تسعى لمقاومتها بطرق مختلفة. هذا النقد لا يعني بالضرورة كرهًا للأرض أو الشعب، بل رفضًا للطريقة التي يُحكم بها ويُستغل باسم الوطن.
2. التركيز على معاناة الشعب والتاريخ المهمش:
يولي ماركيز اهتمامًا كبيرًا لتصوير حياة ومعاناة الناس العاديين، وتاريخهم الذي غالبًا ما يتم تجاهله أو تزويره من قبل السلطة.
من خلال تسليط الضوء على هذه القصص، يقدم رؤية للوطن تتجاوز الخطابات الرسمية وترتكز على التجربة الإنسانية الحقيقية.
3. استكشاف الهوية الثقافية والتاريخية المشتركة:
على الرغم من نقده للسلطة، فإن ماركيز يظهر في أعماله ارتباطًا عميقًا بالثقافة والتاريخ والتقاليد اللاتينية الأمريكية.
يمكن فهم هذا الاهتمام كشكل من أشكال الانتماء إلى "وطن" أوسع يتجاوز الحدود السياسية والأنظمة الحاكمة، ويرتكز على الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة.
4. تقديم رؤى بديلة للمجتمع:
في بعض أعماله، قد يقدم ماركيز شخصيات أو مجتمعات تسعى إلى بناء مستقبل مختلف أو تعيش وفق قيم مغايرة لتلك التي تفرضها السلطة باسم الوطن.
هذه الرؤى البديلة تشير إلى إمكانية وجود طرق أخرى للانتماء والولاء تتجاوز الولاء الأعمى للدولة.
أمثلة محتملة في أعماله:
في "مئة عام من العزلة": يمكن فهم عزلة ماكوندو ومحاولات عائلة بوينديا لبناء عالم خاص بها كشكل من أشكال الانفصال عن التيار السياسي السائد في كولومبيا، مع الحفاظ على ارتباطهم بالأرض والمجتمع المحلي.
في "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه": يصور صبر الكولونيل وانتظاره لمعاشه التقاعدي رفضًا ضمنيًا للوعود الكاذبة التي تقدمها الدولة، مع إصراره على العيش بكرامة في وطنه.
في "وقائع موت معلن": يكشف السرد عن فساد المجتمع وتقاعسه في مواجهة جريمة القتل، مما يطرح تساؤلات حول مفهوم المسؤولية الجماعية والانتماء الحقيقي للمجتمع.
بشكل عام، يمكن القول أن غابرييل غارسيا ماركيز يقدم في كتاباته رؤية للوطن تتسم بالتعقيد والتدقيق. إنه لا يرفض فكرة الانتماء بشكل كامل، ولكنه يدعو إلى مساءلة السلطة والنظر إلى الوطن من منظور أوسع يشمل تاريخ الشعب وثقافته ومعاناته، بعيدًا عن التفسيرات الضيقة التي قد تفرضها الأنظمة الحاكمة. إنه اختلاف يسعى إلى فهم أعمق وأكثر صدقًا لما يعنيه الانتماء إلى مكان ومجتمع ما، دون الوقوع في فخ الولاء الأعمى أو الإنكار الكامل.
تُنسب إلى الكاتب والروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز مقولة شهيرة حول الوطنية: "ليست الوطنية إلا اختراعًا أوجدته الحكومة لكي يحارب الجنود بالمجان."
وهذا ما يفعله الكيان الصهيو//نى لزرع مفاهيم في عقل جنوده على أنها حقيقة مطلقة ، لكنه ضحك على عقولهم لأن الوطن يعود في الحقيقة لجدك السابع أو الثاني والثالث ، بمعنى أنه هناك ربط بين التاريخ و الأرض و الشعب.
بقلم الشاعر والناقد الاردني
د محمد سليط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق