ابْنَةُ الْخُلودِ
(لعشاق فلسطين الصادقين)
1
لا تَبْكِ يا بُنَيَّ لا تنْتَحِبْ
لا تشْكُ بَلْواكَ ولا تكْتَئِبْ
كمْ مِن غُزاةٍ عبَروا هلْ بَقَوْا
لِذا مِنَ الأعْرابِ لا تقْتَرِبْ
2
أنا ابْنَةُ الْخُلودِ سَلْ غاصِبا
هلْ جاءَني وَلمْ يَعُدْ خائِبا
ألا افْهَمِ الزّمانَ دوْرَتَهُ
ما دامَ غازٍ أبَدًا غالِبا
3
وَحْدَكَ عِشْ وَقْيْدَ أُنْمُلَةِ
لا تَثِقَنْ بِهِمْ بِسُنْبُلَةِ
أليسَ كُفرًا صمْتُهُمْ جُبْنُهُمْ
وما بِهِمْ مِنْ عواملِ الذِّلَةِ
4
لوْلا وُجودُ واحِدٍ يَعْبُدُ
ربًا كريمًا وَلَهُ يَسْجُدُ
كنْتُ براءَتي أُقَدِّمُها
فلا مُخادِعٌ ولا مُفْسِدُ
5
حتى ولا مُنافِقٌ بيْنَنا
ولا مليكٌ عاهِرٌ أذْعَنا
أَليْسَ كُفْرًا صَمْتُهُمْ جُبْنُهُمْ
ودعمهم يا ويلهم مُنْتِنا
6
للْقاتلِ المُجْرِمِ معْذرةُ
وَللشَّهيدِ الْحُرِّ مغْفِرَةُ
والْعُرْبُ لا حِسٌ ولا خبَرُ
وأيْنما كُنتُمْ فَمجْزِرَةُ
7
وأنتَ قبلي ترْفُضُ الذِّلَةَ
حتى الّتي ظَننْتَها الْمِلَّةَ
والْقوْمُ ما الْقوْمُ سوى جُثَثٍ
لا أرْضَ أصْلًا ولا دوْلَةَ
8
فاصْمِدْ ألمْ تصْمِدْ مِنَ الْأَزَلِ
أمَا الأَعاريبُ للْهَزَلِ
إنْ يُذْكَروا قدْ يُذْكَرونَ هُزُوا
للذَّمٍ والْقَدْحِ ولمْ يَزَلِ
9
يا ولَدي عِشْ رُبَّما في الْغَدِ
ترتاحُ في بَطني وللْأَبَدِ
يا وَلَدي لسْتُ الَّتي تقْتُلُ
أوْلادَها أُريدُكُمْ في رَغَدِ
10
وفي سلامٍ ورفاهِيَّةِ
لكنّني أَعْشَقُ حُرِّيَتي
وأنتَ يا بُنيَّ كمْ تُدْرِكُ
لا عيْشَ في ظِلِّ عُبوديّةِ
11
يا ولَدي الْجوعُ أجلْ كافِرُ
ومانِعُ اللُّقْمَةِ كمْ غادِرُ
بلْ إنَّهُ الشيطانُ قدْ جُسِّدا
هوَ الْعَدُوُّ الْحاقِدُ الْماكِرُ
12
يا وَلَدي الْغَيْبَ لا أكْشِفُهُ
إنْ قُلْتُ ما العالَمُ يْعرَفُهُ
ما عادَ لابْنِ العُرْبِ مَنْزِلَةٌ
ولا حُضورٌ قدْ يُشَرِّفُهُ
13
يا ولَدي مُتْ واقِفًا صامِدا
بالذُّلِّ لسْتَ الْفارسَ الْخالِدا
ما الذُّلُّ يا بُنيَّ مَنْهَجُنا
لسْتَ الْعميلَ الْفاسِدا
14
أنتَ الْهُدى للنّاسِ والْمَثَلُ
والْحُبُّ يزهو بِكَ والْأَمَلُ
يا فارِسًا غَيَّرْتَ فِكْرَ الْوَرى
مِنْ بَعْدِ أنْ ضاقتْ بِنا السُّبُلُ
15
أعْرُفُ أنَّهُ وَمِنْ زَمَنِ
قدْ ترَكوا شعْبِيَ للْمِحَنِ
إذْ أقْنَعوا الْعُرْبانَ ليْسَ لَهُمْ
دَخْلٌ بِنا بالْقُدْسِ والْوَطَنِ
16
وَحَيْثُما سِرْتَ ترى صُوَرا
أوْ لا تَرى كَمنْ سلا الْبَصَرا
أوْ فَقَدَ السَّمْعَ فلا تسْمَعُ
صوْتًا وَهلْ كُنُتَ ترى بَشَرا
17
حتى تَكونوا بشَرًا اشْعُروا
حِسّوا بِغَيْرِكُمْ أَيا بَقَرُ
حتى وَلَسْتُمْ كَذوي الذَّنَبِ
إذْ بَيْنَهُمْ تراحُمٌ يَنْدُرُ
18
حتى ولا أنتُمْ على دينِنا
ولا عجينِنا ولا طينِنا
وليْسَ لي بِأَصْلِكُمْ صِلَةٌ
يا مَنْ شَرِبْتُمْ دَمَ زيْتونِنا
19
يا وَلَدي خُلِقْتَ للْوَطَنِ
والرُّوحُ لا تُعَدُّ بالثَمَنِ
يبْدو بِأَنَّ الْقُدْسَ غالِيَةٌ
فقطْ عليْنا لا بَني الدِّمَنِ
20
وانْسَ الَّذينَ هُمْ عَرَبُ
مَنْ هُمْ إلى الْمَذَلَّةِ انْتَسَبوا
وَللْعُبوديَّةِ والذِّلَّةِ
مِنْهُمْ إلى الْعِزّةِ هُمْ أقْرَبُ
21
ماذا ترومُ مِنْ شُعوبٍ عَمتْ
أوْ أنّهُمْ مثلُ شعوبٍ خَلَتْ
ما الفَرْقُ حقًا بينْ عادٍ وَهُمْ
وَغيرِهِمْ مِنْ أُمَمً قَضتْ
22
يا وَلَدي لا أنتَهي أَبَدا
وسوْفَ يُقْتَلُ الْعِدى بَدَدا
وكيْفَ أنتهي وَفي رَحِمي
أحْمِلُ كُلَّ طَلْقَةٍ وَلَدا
23
أُريدُهُ مُثَقَّفًا واعِيا
للسِّلْمِ في كلِّ الدُنى داعِيا
أريدُهُ في عالَمٍ ظالِمٍ
نورًا مُنيرًا في الدُّجى هادِيا
24
أعْداؤُنا يَخْشَوْنَ عِلْمَنا
وَفِكْرَنا وَوَيْلَهُمْ سِلْمَنا
همْ يعْرَفونَ الْحربُ ديْدَنُهُمْ
بِها يُخوِّفونَ حُكامَنا
25
بَعْضُ الشُّعوبِ تكْرَهُ السَّلاما
يُغَيِّرونَ الوَغْدَ لا النّظاما
يُبْنى وُجودُهُمْ على الْفِتَنِ
حتى يَبُثّوا الْموْتَ لا الطَّعاما
26
بِدونِها لا أرْضَ تُسْتَعْمَرُ
لِذلِكُمْ سُكانُها هُجِّروا
مِنْ نكْبَةٍ لِنَكْبَةٍ أوْ على
رؤوسِهمْ ديارَهُمْ دَمَّروا
27
ذا دأبُهُمْ أنْ يكْرَهوا يُؤْلِموا
يُدَمِّروا يُهَجِّروا يَهْدِموا
كمْ نَسَفوا كمْ قَصَفوا مُدُنًا
كمْ قَتلوا كَمْ أحْرَقوا أعْدَموا
28
هَلِ اكْتَفوا هَلْ يَكْتَفونَ على
معْرِفَتي بِهِمْ سَأَسْمَعُ لا
وَأَلْفُ لا حتى بلا نَدَمِ
هَلْ في الدُنى مثْلُنا مُبْتَلى
29
يا وَلَدي يا ساكِنَ السُّحُبِ
وراكِبَ الرَّعْدِ والشُّهُبِ
لقدْ غدوْتَ قُدْوَةً للْبَشَرِ
أيْقونةً على مَدى الْحِقَبِ
30
بِكُمْ أُفاخِرُ الدُّنى كُلَّها
حتى الَّتي فَقَدتْ نُبْلَها
عروبَةٌ كانتْ لنا قِبْلَةً
كانتْ إلى أنْ أُلْبِسَتْ ذُلَّها
31
على يَدِ الأَنذالِ مِنْ نُظُمِ
عبيدِ غَرْبٍ دونَما ذِمَمِ
مُلوكٍ عُهْرٍ هُمْ وَأَنْجاسِهمْ
حُكامِ فُسْقٍ دونَما قِيَمِ
32
مِنْ أجْلِ ماذا حُثالَتَنا
مِنْ أجْلِ حُكْمٍ يا زِبالَتَنا
وَهلْ بِهِ سَتُشْتَرى الْجَنَّةُ
فلْيَسْمَعِ الْعُرْبُ رِسالَتَنا
33
نحيا بِعِزٍ أوْ نموتُ بِهِ
وَكمْ قضى مِنّا على درْبِهِ
يا وَلَدي إنَّ لنا وَطَنًا
ولا قُوًى تمْنَعُ عنْ حُبِّهِ
34
يا شُعوبًا فقَدتْ أصْلَها
لِسانَها عيونَها صوْلَها
حقيقةً حيَّرني أمْرُهُمْ
أمْرُ شُعوبٍ فقَدتْ ظِلَّها
35
يا ليتَني أعْرَفُ إحْساسَكُمْ
هيّا ابْعِدوا عنِّيَ أَنفاسَكُمْ
كريهَةٌ كذلكُمْ سامَّةٌ
فلْتُعْلِنوا يا عُرْبُ إفْلاسَكُمْ
36
ليسَ بِكُمْ يا عُرْبُ ما يُمْدَحُ
فكلُّ ما فيكُمْ تُرى يُقْدَحُ
هلْ خُلُقيَا أَدَبيًا بِكُمْ
ما يُثْلِجُ الصَّدرَ وَما يُفْرِحُ
37
يا عُرْبُ قدْ حلَّتْ بِكُمْ لَعْنَةُ
بلْ إنَّها مِنْ رَبِنا نِقْمَةُ
يا قوْمَ نفطٍ افْجُروا وافْسُقوا
لا بُدَّ أنْ تأتِيَكُمْ صيْحَةُ
38
إنْ يُمْهِلِ الرَّحْمنُ لا يُهْمِلُ
ورَبُّنا الأَبْرارَ لا يَخْذِلُ
وَأنتَ يا بُنيَّ سيِّدُهُمْ
أمّا الْعِدى فالْعَدْلُ أنْ يرْحَلوا
39
إنْ يَطُلِ العَهْدُ بِهِمْ اعْلَمَنْ
كلُّ احْتِلالٍ زائِلٌ افْهَمَنْ
فَعِشْ إذًا وَعانِقِ الأنجُما
والْمَجْدَ مِنْ أنْوارِها ارْسُمَنْ
40
نحنُ بُناةُ الْمَجدِ مِنْ حِقَبِ
تاريخَنا صُغْناهُ بالذَهَبِ
والْحُبُّ والْوُدُّ تُرى بيْنَنا
ميثاقُ عَهْدٍ بالِغُ الأَدَبِ
41
والسِّلْمُ نهْواهُ نُقَدِّسُهُ
وَنَكْرَهُ الَّذي يُدَنِّسُهُ
فالسِّلْمُ نَهْجٌ لا رِياءَ بِهِ
والْعِزَّ تحتَ الْجِلْدِ نَلْبِسُهُ
د. أسامه مصاروه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق